وقال الراغب:"والبغي على ضربين: أحدهما محمود، وهو يتجاوز الحق إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشبه، كما قال: "الحق بين والباطل بين وبين ذلك أمور مشتبهات" "ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه" ولأن البغي قد يكون محمودًا ومذمومًا قال تعالى:} إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق {[الشورى: ٤٢]، فخص العقوبة بمن بغيه بغير الحق".
قال الحباني: أصل البغي الحسد، وسمي الظلم بغيًا لأن الحاسد ظالم. قلت: هو داخل في قولنا مجاوزة الحد، لأن الحاسد تجاوز ما ليس ليه. واستدل على أن البغي الحسد بقوله:} إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم {[الشورى: ١٤]. وقيل: البغي: الاستطالة على الناس والكبر. ومنه قوله تعالى:} إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق {[الأعراف: ٣٣].
وقوله:} يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم {[يونس: ٢٣] أي وبال بغيكم راجع عليكم. وقوله:} إذا هم يبغون {[يونس: ٢٣] أي يفسدون. وقوله:} غير باغٍ ولا عادٍ {[البقرة: ١٧٣] أي غير متعد ما حد له. وقال ابن عرفة:} غير باغٍ {غير طالبها وهو عند غيرها.} ولا عادٍ {أي غير متعدٍ ما حد له. الأزهري:} غير باغٍ {أي غير ظالمٍ بتحليل ما حرم الله تعالى،} ولا عادٍ {أي غير متجاوز للقصد. مؤرج السدوسي: أي لا يبتغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عادٍ أي لا يعدو شبعه. وقيل: غير باغٍ أي غير خارجٍ على الإمام، ولا عادٍ أي بقطع طريقٍ ونحوه، أي فهذا لا يرخص له في ذلك.