للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا قوله: {ما غرك بربك الكريم} إلى قوله} كلا بل تكذبون بالدين {[الانفطار: ٦ - ٩] كأنه قيل ليس ها هنا ما يقتضي أن يغرهم به، ولكن يكذبهم، وهو الذي حملهم على ما ارتكبوه.

والضرب الثاني من بل هو أن يكون مبينًا للحكم الأول وزائدًا عليه ما بعد بل، نحو قوله تعالى:} بل قالوا أضغاث أحلامٍ بل افتراه بل هو شاعر {[الأنبياء: ٥] فإنه نبه أنهم يقولون:} أضغاث أحلام بل افتراه {يزيدون على ذلك بأن الذي أتى به مفترى افتراه. بل يزيدون ويدعون أنه كذاب، فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكذاب بالطبع. وعلى ذلك قوله تعالى:} لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار {إلى قوله:} بل تأتيهم بغتًة {[الأنبياء: ٣٩ - ٤٠].

وجميع ما في القرآن من لفظ "بل" لا يخرج عن أحد هذين الوجهين، وإن دق الكلام في بعضه.

قلت: ما ذكره من هذه الآيات الكريمة حسن، غير أن النحاة نصوا على أنها إذا كانت بعدها جملة كانت لمجرد الإضراب عما قبلها، والأخذ في الحديث الذي بعدها، ثم إن هذا الإضراب إن كان في غير كلام الله تعالى جاز أن يكون إضراب إبطالٍ، وأن يكون إضراب تركٍ من غير إبطالٍ، بل الانتقال من حديثٍ إلى آخر. وإن كان في كلام الله تعالى كان انتقالاً لا إبطالاً. وقد قال بعضهم: إن قوله تعالى:} أم يقولون افتراه بل هو الحق {[السجدة: ٣] إنه يجوز أن يكنو للإضراب الإبطال بالنسبة إلى قولهم} افتراه كأنه قيل: لم يفتره بل هو الحق. وأنت قد عرفت العبارتين، فقابل بينهما تجد عبارته خارجًة عن نصوصهم.

ب ل د:

قوله تعالى:} لا أقسم بهذا البلد {[البلد: ١]، يعني بها مكة شرفها الله

<<  <  ج: ص:  >  >>