للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرئ: {هنالك تبلو كل نفسٍ ما أسلفت} [يونس: ٣٠] أي تعرف حقيقة ما عملت، ولذلك يقال: بلوت فلانًا أي اختبرته.

وسمي الغم بلاًء من حيث إنه يبلى الجسم، وسمي التكليف بلاًء من أوجه: الأول أن التكاليف كلها فيها مشقة على الأبدان. والثاني أنها اختبارات، وعليه} ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين {[محمد: ٣١] وهو تعالى عالم بهم بدون اختبار، وإنما معناه: حتى يظهر في الوجود ما في علمنا. وقيل: معناه حتى يتميز. والثالث، كما تقدم، أنه اختبار، فمبتليهم بالمسار تارًة ليشكروا، وأخرى بالمضار ليصبروا. فصار الابتلاء تارًة منحًة وتارة محنًة. والمنحة تقتضي الشكر، والمحنة تقتضي الصبر. والقيام بحقوق الصبر أيسر وأسهل من القيام بحقوق الشكر. فصارت المنحة أعظم البلاءين.

ومن هذا قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر". وقد جاء ذلك، أعني المحنة والمنحة، في قوله تعالى:} وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم {[البقرة: ٤٩]، فالمحنة راجعة إلى ما تقدم من ذبح أبنائهم واستحياء نسائهم. والمحنة راجعة إلى قوله:} وإذ نجيناكم من آل فرعون {[البقرة: ٤٩]. وابتلى وبلى يتضمن أمرين: أحدهما تعرف حاله وما يجهل من أمره. والثاني ظهور جودته ورداءته. في جانب الباري تعالى إذ قيل: ابتلى الله كذا أو بلى كذا لم يكن إلا بمعنى ظهور جودة المبتلى كقوله تعالى:} وإذ ابتلى إبراهيم ربه {[البقرة: ١٢٤]، أو رداءته نحو} كذلك نبلوهم بما كانوا {[الأعراف: ١٦٣].

وقد يقصد به الأمران معًا، نحو: بلوت زيدًا إذا قصدت المعنيين المذكورين.

وقوله: [من الطويل]

١٩٤ - فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو

جمع بين اللغتين، إذ يقال: بلاه وأبلاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>