وقوله تعالى:{تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال}[آل عمران: ١٢١] أي تنزلهم منازل الحرب ميمنًة وميسرًة وقلبًا وكمينًا وطلائع. وقوله تعالى:} نتبوأ من الجنة {[الزمر: ٧٤] أي نتخذ منها منازل. وقوله:} تبوءوا الدار {[الحشر: ٩] أي نزلوها ولزموها واعتقدوا الأيمان، أو جعلوا الإيمان متبوًأ مجازًا.
وقوله:} فباؤوا بغضبٍ {[البقرة: ٩٠] أي رجعوا به ولزموه. وقوله:"فباء به أحدهما" أي لزمه ورجع به. والباء والباءة: النكاح، وفي الحديث:"من استطاع منكم الباءة فليتزوج" وفي آخر: "عليكم بالباءة"، قيل: أراد عقد النكاح. وقيل: أراد الجماع، وأصله مما تقدم، وهو أن الباء والباءة اسم للمكان المتبوأ. وكل من تزوج امرأةٌ لابد أن ينزلها في مكان ويبوئها إياه، فجعل ذلك كنايًة عما ذكرنا لملازمته له. وهذا كما قدمناه في قولهم: بنى بامرأته وبنى على امرأته.
وفي الحديث:"الجراحات بواء" أي متساوية في لزوم المماثلة، وذلك أنه لا يجرح غير الجارح، ولا يؤخذ منه أكثر من جنايته، فذلك معنى اللزوم فيها. وقيل: أصل البواء مساواة الأجزاء في المكان عسك التبوء الذي هو منافاة الأجزاء. ومكان بواء أي غير باءٍ. وكان عليه الصلاة والسلام "يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله". وعنه عليه الصلاة والسلام:"من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". وبوأت الرمح: هيأت له مكانًا ثم قصدت به الطعن. وقال الراغي في صفة الإبل:[من الطويل]
٢٠٤ - لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا
يريد أن الراعي يتركها حتى إذا وجدت مكانًا صالحًا للرعي تبوأ الراعي مكانًا