للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {يرزق من يشاء بغير حساب} [البقرة: ٢١٢] فيه أوجه، أحدها: لا يضيق عليه بل يعطيه عطاء من لا يحاسب، من قولهم: حاسبته إذا ضايقته. ثانيها: يعطيه أكثر مما يستحقه. والاستحقاق هنا مجاز. ثالثها: يعطيه ولا يأخذ منه خلاف حال أهل الدنيا. ورابعها: يعطيه ما لا يحصره البشر كثرة. خامسها: يعطيه أكثر مما يحاسبه. سادسها: يعطيه بحسب ما يعلمه من مصلحته لا على حسب حسابهم، وذلك نحو، ما نبه عليه بقوله: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر} الآية [الزخرف: ٣٣]. سابعها: يعطي المؤمن ولا يحاسب عليه، لأن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب وفي وقت ما يجب، ولا ينفق إلا كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله تعالى حسابا يضره. كما روى: (من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة). ثامنها: يقابل الله المؤمنين يوم القيامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه كما أشار إليه بقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [البقرة: ٢٤٥]. وعلى هذه الأوجه يجيء قوله تعالى: {فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} [غافر: ٤٠]. ولا تعارض بيه قوله: {يرزق من يشاء بغير حساب} وبين قوله: {عطاء حسابا} [النبأ: ٣٦]. لأن معنى (حسابا) أي كافيا، وليس معناه تتضييقا ولا تقتيرا.

وقوله: {أو أمسك بغير حساب} [ص: ٣٩] عبارة عن عدم الحجر في التصرف وإطلاق العبارة في البسط. وقيل: معناه: تصرف فيه تصرف من لا يحاسب أي تناول كما يجب على ما يجب. وقوله: {بغير حساب} يجوز تعلقه بقوله: {عطاؤنا} وتعلقه بفعل الأمر، والثاني أوضح.

والحسيب بمعني المحاسب، نحو الحبيط والجليس، قال تعالى: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء: ١٤]. ثم يعبر به عن المكافئ بالحساب. قوله: {وكفى

<<  <  ج: ص:  >  >>