يصح أن يقال: ليس كل إنسانٍ عبدًا لله تعالى؛ فإن العبد على هذا المعنى العابد، لكن العبد أبلغ من العابد. قلت: فيما قاله نظر من حيث الصناعة اللفظية، والناس كلهم عباد الله تعالى، بل الأشياء كلها كذلك؛ بعضها بالتسخير فقط وبعضها به وبالاختيار.
والعبادة على نوعين: نوعٍ بالتسخير، وهو الذي يكون عابدًا بشهادة حاله وإن تأبى في الصورة كقوله تعالى:} ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا {[الرعد: ١٥]. ونوع بالاختيار وهي العبادة التي أمر الله بها الخلق وكلفهم بها في قوله تعالى:} يأيها الناس اعبدوا ربكم {[البقرة: ٢١].
قوله:} وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {[الذاريات: ٥٦] أي ليوحدون، ولم أخلقهم احتياجًا إليهم بدليل قوله:} ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون {[الذاريات: ٥٧] وليس المعنى أنه خلقهم مريدًا منهم ذلك إذ لو كان كذلك لم يتخلف عن عبادته منهم أحد لئلا يلزم تخلف مراده. وأنت ترى أكثرهم غير عابديه:} وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين {[يوسف: ١٠٣]. ويقال: طريق معبد، أي مذلل بالوطء؛ قال طرفة بن العبد:[من الطويل]
٩٨٧ - [تباري عتاقًا ناجياتٍ] وأتبعت ... [وظيفًا] وظيفًا فوق مورٍ معبد
قوله:} أن عبدت بني إسرائيل {[الشعراء: ٢٢] أي اتخذتهم عبيدًا وخولاً. وقيل: ذللتهم ذلة العبيد. وقيل: كلفتهم الأعمال الشاقة التي تكلف مثلها العبدان. وأنشد:[من البسيط]
٩٨٨ - علام يعبدني قومي وقد كثرت ... فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان؟
يقال: أعبدته مثل عبدته.
ع ب ر:
قوله تعالى:} فاعتبروا يا أولي الأبصار {[الحشر: ٢] أي اتعظوا بهؤلاء فإن العاقل من اتعظ بغيره؛ ومن ثمة قيل: ولا تجعلنا موعظًة. ومن ثم قال تعالى: {فجعلناها