للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

• وسمعت إسحاق -مرةً أخرى- يقول: «غَلَّظَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على واطئ الحائض، فقال: «من أتى حائضًا فقد كَفَر»، ويمكن في هذا القول معنيان:

* فأحد المعنيين: على استِحلال وَطئه إياها في حَيضَتها، فإن كان مَعنَى قَوله على ذلك؛ فقد اجتَمَع أهل العِلم على تَكفير هذا.

* ويُمكِن فيه مَعنى آخَر: إن أرادَهُ (١) النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لِمَن تَهاوَنَ بها -وإن رَآه حرامًا-.

فأما الذي يُستَيقَن به؛ فالمعنى الأول، ويُخشَى المعنى الآخر؛ فإذا فَعَلَه على التَّهاوُن والاستِخفاف؛ فقد ارتكَبَ الحرام، واجتَرَأ على الله؛ ولا نَجتَرئ على تكفيره؛ لِمَا بَيَّنَّا أن لِقَول النبي صلى الله عليه وسلم مَعاني.

ومما يَدُلُّ على ألَّا يكون المتهاوِن بها كافًرا: ما أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالكَفَّارَة لمن وَطِئها حائضًا؛ ففي هذا ما يُستَدَلُّ أنه لو ألزَمَه الكُفرَ في إتيانها وهو يَرَى ذلك حَرامًا؛ لم يَأمُره بالكَفَّارَة -أيضًا-.

وأما ما قال هؤلاء: أَن لا كَفَّارَةَ على الذي يَأتي امرَأَته حائضًا؛ فهو خَطَأ؛ لِمَا سَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وفيما بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما يَنبَغي لأهل العِلم أن يرغبوا في ذلك؛ لأن الكَفَّارَة للذُّنوب أَهوَن من الذُّنوب التي لا كَفَّارَة لها، ولو لم يُقضَ في ذلك سُنَّة؛ لكان يَلزَم العالِم أن يَحتاط، فيَأمُر صاحبها بِصَدَقَة؛ فيَتَقَرَّب إلى الله ليكون ذلك كَفَّارَةً له، فكيف وهو يَرُدُّ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأَخَذَ بذلك أهل ⦗٣٤٣⦘ العِلم، فأما من لم يَرَ ذلك من التابِعين؛ فقد أَقَرُّوا: أنَّا لم نَعلَم في ذلك كَفَّارَة، وإنما الحُجَّة على من يَعلَم، مع أنهم لَو لم يَقولوا: لم نَعلَم في ذلك كَفَّارَة؛ لَكَان الظَّنُّ بهم ذلك؛ لأنهم إذا سَمِعوا اتَّبَعوا، والعَجَبُ لمن يَرَى مُزاحَمَة التابِعين في الكَلام؛ يقول: إذا قالوا ولم أَرَ قَولَهم فَلي خِلافُهم، ثم يَحتَجُّ بهم عند ذِكر الرسول صلى الله عليه وسلم».


(١) كذا ضبطها الناسخ، ويحتمل فيها: "أنَّ إرادَة".

<<  <   >  >>