وأدخَلَ بعض أهل العِراق على مالك بن أنس، فقال: إذا جَعَلت الحَيضَ يَومًا واحِدًا، وأقل وأكثر، فإذا طَلَّقها زَوجُها؛ فقد انقَضَت عِدَّتها في أيام قلائل. فقال: إن حُكمَها في الطلاق أن تَرَبَّص أقصَى أيام أقرائها قبل أن تُبتَلَى بالاستِحاضَة. فإن قالوا: قد جَعَلت حُكمَين للمُستَحاضَة؛ حُكمًا للطلاق على حِدَة، وحُكمًا للصلاة على حِدَة؟ قيل لهم: إنما تُنكِرون على من اتَّبَع السُّنَّة وقَلَّدها مثلَ ما تأتون؛ وكيف جاز لك أن تُنكِر على مالك وأهل المدينة ومن سَلَك طَريقَهم وتمييزهم إذ أشكَلَ عَلَيهم شأن المستَحاضَة بين وَقت الصَّلاة ووقت عِدَّة الطلاق، وقد قُلتم بأجمعكم: لو أن امرأةً كان حَيضُها خَمسَةَ أيام، ثم رَأَت الشَّهر الثاني سِتَّةَ أيام، والشَّهر الثالث سَبعَةَ أيام؛ أخذنا لها بالصَّلاة بأقل أيام أقرائها، وفي عِدَّة الطلاق بأقصَى أيام أقرائها. فهل هذا التَّمييز منكم بعقولكم إلا مِثل ما أنكرتُم على مالك بن أنس وأهل المدينة؛ حيث فَرَّقوا بين حُكم الصَّلاة والطلاق؟ بل هم أشَدُّ اتِّباعًا واستِقصاءً وحَيطَةً مِنكم؛ حيث رَدُّوا حُكم المستَحاضَة إذا اختَلَط إلى ما أشبه الكِتاب والسُّنَّة؛ جَعَلَ الله عِدَّة المطلَّقات ثلاثَةَ قُروء، وجَعَلَ لِمن لم يَكُن لها قروء شَهرًا بَدَلَ كُلِّ قُرء؛ فَمِن هاهنا حَكَموا».