عَادَةُ النَّاسُ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَأَطْلَقَ فَشَدَّهَا عَلَى وَسَطِهِ فَهُوَ أَحَرَزُ لَهَا. وَكَذَا إنْ تَرَكَهَا بِبَيْتِهِ فِي حِرْزِهَا. وَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا فِي صُنْدُوقٍ وَقَالَ: لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا وَلَا تَنَمْ فَوْقَهَا فَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ. أَوْ قَالَ: لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا إلَّا قُفْلًا وَاحِدًا فَجَعَلَ عَلَيْهَا قُفْلَيْنِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
. (وَإِنْ قَالَ مُودِعُ خَاتَمٍ) لِوَدِيعٍ: (اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصِرِ) بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا فَضَاعَ (ضَمِنَهُ لَا عَكْسُهُ) بِأَنْ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي الْخِنْصَرِ فَجَعَلَهُ فِي الْبِنْصِرِ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ، فَهِيَ أَحَرَزُ (إلَّا إنْ انْكَسَرَ) الْخَاتَمُ (لِغِلَظِهَا) أَيْ: الْبِنْصِرِ فَيَضْمَنُهُ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِمَا لَمْ يُؤْذِنْ فِيهِ مَالِكُهُ. فَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْوُسْطَى وَأَمْكَنَ إدْخَالُهُ فِي جَمِيعِهَا فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي جَمِيعِهَا فَجَعَلَهُ فِي بَعْضِهَا ضَمِنَ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ
(وَإِنْ دَفَعَهَا) أَيْ: دَفَعَ مُسْتَوْدِعُ الْوَدِيعَةِ (إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ) أَيْ: الْمُسْتَوْدَعِ (عَادَةً كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَنَحْوِهِمَا) كَخَازِنِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ ; لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ الْمَاشِيَةَ إلَى الرَّاعِي (أَوْ) دَفَعَهَا (لِعُذْرٍ) كَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْ أَرَادَ السَّفَرَ. وَلَيْسَ أَحْفَظَ لَهَا (إلَى أَجْنَبِيٍّ) ثِقَةٍ (أَوْ) حَاكِمٍ فَتَلِفَتْ (لَمْ يَضْمَنْ) ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حِينَ دَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ (ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ بِلَا عُذْرٍ (وَلِمَالِكِ) الْوَدِيعَةِ إذَنْ (مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا) بِبَدَلِ الْوَدِيعَةِ ; لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ أَشْبَهَ الْمُودِعَ مِنْ الْغَاصِبِ، (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ (الْقَرَارُ) أَيْ: قَرَارُ الضَّمَانِ (إنْ عَلِمَ) الْحَالَ لِتَعَدِّيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى وَدِيعٍ أَوَّلَ، لِأَنَّهُ غَيْرُهُ
. (وَإِنْ دَلَّ) مُودَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ (لِصًّا) عَلَى وَدِيعَةٍ فَسَرَقَهَا (ضَمِنَا) أَيْ: الْمُودَعُ وَاللِّصُّ. أَمَّا الْمُودَعُ فَلِمُنَافَاةِ دَلَالَتِهِ لِلْحِفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهَا لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا اللِّصُّ فَلِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهَا (وَعَلَى اللِّصِّ الْقَرَارُ) لِمُبَاشَرَتِهِ.
(وَمَنْ أَرَادَ سَفَرًا) وَبِيَدِهِ وَدِيعَةٌ (أَوْ) لَمْ يُرِدْ سَفَرًا، بَلْ (خَافَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ) مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَرَقٍ وَنَحْوَهُمَا (رَدَّهَا إلَى مَالِكهَا أَوْ) إلَى (مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ) أَيْ: مَالَ مَالِكِهَا (عَادَةً) كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ (أَوْ) إلَى (وَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ مَالِكِهَا (فِي قَبْضِهَا إنْ كَانَ) ; لِأَنَّ فِيهِ تَخَلُّصًا لَهُ مِنْ دَرْكِهَا وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى حَاكِمٍ إذَنْ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى رَشِيدٍ حَاضِرٍ. وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا لِتَعَدِّيهِ، (وَلَا يُسَافِرُ) الْوَدِيعُ (بِهَا) مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ وَكِيلِهِ. بِدُونِ إذْنِ رَبِّهَا (وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا) فِي السَّفَرِ، (أَوْ كَانَ) السَّفَرُ (أَحْفَظَ لَهَا) فَيَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ ; لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute