وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَهَا وَيَحْكُمَ بِلَا خَصْمٍ وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَ) بَعْضُ (الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَوَاضِعَ ; لِأَنَّا نَسْمَعُهَا عَلَى غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ نَحْوِهِ) كَمَيِّتٍ (فَ) سَمَاعُهَا (مَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى ; فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَثَلًا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ لَا يَدَّعِي وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ الْحُكْمُ لِخَوْفِ خَصْمٍ) مُسْتَقْبَلٍ (وَحَاجَةِ النَّاسِ خُصُوصًا فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعِهِ) ، أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالْخِلَافِ، قَالَ (الْمُقْنِعُ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا يَقَعُ مِنْ عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ يُرْفَعُ لِلْحَاكِمِ وَتَشْهَدُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، فَيُحْكَمُ بِهِ بِلَا خَصْمٍ (وَهُوَ قَوِيٌّ) أَيْ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ. قُلْت: وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعًا.
[فَصْلٌ الدَّعْوَى بِالْقَلِيلِ]
فَصْلٌ وَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِالْقَلِيلِ، وَلَوْ لَمْ تَتْبَعْهُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ الِاسْتِعْدَاءِ لِلْمَشَقَّةِ، (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الدَّعْوَى شُرُوطٌ أَحَدُهَا (تَحْرِيرُهَا) يُرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «إنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» ) وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ تَحْرِيرِهَا، (فَلَوْ كَانَتْ) الدَّعْوَى (بِدَيْنٍ عَلَى مَيْتٍ ذَكَرَ مَوْتَهُ وَحَرَّرَ الدَّيْنَ) ، فَإِنْ كَانَ أَثْمَانًا ذَكَرَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَقَدْرَهُ (وَ) حَرَّرَ (التَّرِكَةَ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَفِي الْمُغْنِي أَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ مُورِثِهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَارِثٍ فِي عَدَمِ التَّرِكَةِ بِيَمِينِهِ، وَيَكْفِيه أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ قَدْ يُخَلِّفُ شَيْئًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (كَوْنُهَا) أَيْ الدَّعْوَى (مَعْلُومَةً) أَيْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لِيَتَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنْ الْإِلْزَامِ بِهِ إذَا ثَبَتَ، (إلَّا فِي وَصِيَّةٍ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِدَابَّةٍ أَوْ شَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَ) إلَّا فِي (إقْرَارٍ) بِمَجْهُولٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمُجْمَلٍ فَتَصِحُّ، وَإِذَا ثَبَتَ طُولِبَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِالْبَيَانِ، (وَ) إلَّا فِي (خُلْعٍ) أَوْ طَلَاقٍ (عَلَى مَجْهُولٍ) كَأَنْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى دَوَابِّهَا فَأَجَابَهَا وَتَنَازَعَا. قُلْت: وَكَذَا جَعْلُهُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ، إذَا سَمَّى مَجْهُولًا لِصِحَّتِهِ كَمَا سَبَقَ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ مَعَ جَهَالَتِهِ، (فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ) أَيْ الْمُدَّعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute