للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ " وَالصَّلَاةُ " وَفِي إسْنَادِهِ: بَقِيَّةُ، وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ ثِقَةٍ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ.

وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الْمُوَالَاةُ لَأَمَرَهُ بِغَسْلِ اللُّمْعَةِ فَقَطْ. وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْحَدَثُ. فَاشْتُرِطَتْ لَهَا الْمُوَالَاةُ كَالصَّلَاةِ. وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ إلَّا مُتَوَالِيًا. وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْغُسْلِ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ ; لِأَنَّ الْمَغْسُولَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ (وَيَسْقُطَانِ) أَيْ: التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ (مَعَ غُسْلٍ) عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ، لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِيهِ، كَانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ.

(وَهِيَ) أَيْ: الْمُوَالَاةُ (أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا) أَيْ: الْعُضْوُ (قَبْلَهُ) أَوْ بَقِيَّةُ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ أَوَّلُهُ (بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ قَدْرَهُ) أَيْ: قَدْرَ الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْمُعْتَدِلِ، بِأَنْ كَانَ حَارًّا أَوْ بَارِدًا (وَيَضُرُّ) أَيْ: تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ (إنْ جَفَّ) عُضْوٌ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ، أَوْ بَقِيَّتُهُ (لِاشْتِغَالٍ بِتَحْصِيلِ مَاءٍ) يُتَمِّمُ بِهِ وَضُوءَهُ (أَوْ جَفَّ) ذَلِكَ (لِإِسْرَافٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ) لَيْسَتْ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ.

(أَوْ) إزَالَةِ (وَسَخٍ وَنَحْوِهِ) كَجَبِيرَةٍ حَلَّهَا (لِغَيْرِ طَهَارَةٍ) بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا لَمْ يُؤَثِّرْ ; لِأَنَّهُ إذَنْ مَنْ أَفْعَالِ الطَّهَارَةِ، و (لَا) يَضُرُّ اشْتِغَالُهُ (بِسُنَّةٍ) مِنْ سُنَنِ الْوُضُوء، (كَتَخْلِيلِ) لِحْيَةٍ وَأَصَابِعَ (وَإِسْبَاغِ) الْمَاءِ أَيْ: إبْلَاغِهِ مُوَاضِعَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِأَنْ يُؤْتِيَ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ (وَإِزَالَةِ شَكٍّ) بِأَنْ يُكَرِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَ غَسْلَهُ (أَوْ) إزَالَةِ (وَسْوَسَةٍ) ; لِأَنَّهَا شَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى فُرُوضِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي شُرُوطِهِ، جَامِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ اخْتِصَارًا، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَكْثَرِهَا.

[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ نِيَّةٌ]

فَقَالَ: فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَلَوْ مُسْتَحَبَّيْنِ نِيَّةٌ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ لَا عَمَلَ جَائِزٌ وَلَا فَاضِلٌ إلَّا بِهَا. وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ إجْمَاعًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ.

وَمِنْ شَرْطِهَا: النِّيَّةُ ; وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تَضَمَّنَتْهُمَا، لِوُجُودِهِمَا فِيهَا حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ حُكْمُهُ. وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ، لَا حَقِيقَتُهُ. وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ، وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>