إلَى الْحُكْمِ بِإِبْطَالِهِ ; لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ؟ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ وَالشُّفْعَةِ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِهِ يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ لِلْوَاقِفِ فِي التَّغْيِيرِ، فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ مِنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ مَنْعُهُ. قَالَ: وَقَدْ تَحَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَالصِّحَّةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُتَوَجِّهٌ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ صَرِيحًا وَإِلَى آثَارِهِ تَضَمُّنًا، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْآثَارِ صَرِيحًا وَإِلَى نَفْسِ الْعَقْدِ تَضَمُّنًا، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا عَلَى مَا بَحَثْتُهُ مِنْ تَوَجُّهِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجَمِيعِ آثَارِهِ صَرِيحًا، فَإِنَّ الصِّحَّةَ مِنْ مُوجَبِهِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ أَقْوَى مُطْلَقًا لِسَعَتِهِ وَتَنَاوُلِهِ الصِّحَّةَ وَآثَارَهَا.
ثُمَّ رَجَعَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَمْرِ الْمَحَابِيسِ فَقَالَ: (وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ خَصْمَهُ وَأَنْكَرَهُ) الْمَحْبُوسُ بِأَنْ قَالَ حُبِسْتُ ظُلْمًا، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ وَلَا خَصْمَ لِي (نُودِيَ بِذَلِكَ) فِي الْبَلَدِ، قَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَمَنْ تَبِعَهُ: ثَلَاثًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا. وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ يُشْتَهَرُ بِذَلِكَ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْغَرِيمَ إنْ كَانَ غَائِبًا، وَمَنْ لَمْ يُقَيِّدْ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُنَادَى عَلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَرِيمٌ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ غَالِبًا فِي ثَلَاثٍ: فَالْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ، (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) خَصْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (خَلَّفَهُ) أَيْ الْمَحْبُوسَ (حَاكِمٌ وَخَلَّاهُ) أَيْ أَطْلَقَهُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ لَظَهَرَ، (وَمَعَ غَيْبَةِ خَصْمِهِ) الْمَعْرُوفِ (يَبْعَثُ إلَيْهِ) لِيَحْضُرَ لِلْبَحْثِ عَنْ أَمْرِ الْمَحْبُوسِ، (وَمَعَ جَهْلِهِ أَوْ تَأَخُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ يُخَلَّى) سَبِيلَهُ، (وَالْأَوْلَى) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (بِكَفِيلٍ) احْتِيَاطًا. قُلْت: وَلَعَلَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَبْسَهُ بِدَيْنٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُهُ إلَّا إذَا أَدَّى أَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ كَمَا فِي بَابِ الْحَجْرِ.
[فَصْلٌ الْقَاضِي إذَا أَتَمَّ أَمْر الْمَحْبُوسِينَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ أَيْتَامٍ وَمَجَانِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ]
فَصْلٌ ثُمَّ إذَا تَمَّ أَمْرُ الْمَحْبُوسِ (يُنْظَرُ فِي أَمْرِ أَيْتَامٍ وَمَجَانِينَ وَوُقُوفٍ وَوَصَايَا لَا وَلِيَّ لَهُمْ) أَيْ: الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ (وَلَا نَاظِرَ) لِلْوَقْفِ وَالْوَصَايَا ; لِأَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا حِفْظُهَا وَصَرْفُهَا فِي وُجُوهِهَا، فَلَا يَجُوزُ إهْمَالُهَا، وَلَا نَظَرَ لَهُ مَعَ الْوَلِيِّ أَوْ النَّاظِرِ الْخَاصِّ، لَكِنْ لَهُ الِاعْتِرَاضُ إنْ فَعَلَ مَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute