[بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ]
ِ السَّتْرُ بِفَتْحِ السِّينِ مَصْدَرُ سَتَرَ، وَبِكَسْرِهَا: مَا يُسْتَرُ بِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْعَوْرَةُ لُغَةً النُّقْصَانُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ. وَمِنْهُ كَلِمَةٌ عَوْرَاءُ، أَيْ قَبِيحَةٌ. وَشَرْعًا (سَوْأَةُ الْإِنْسَانِ) أَيْ قُبُلُهُ أَوْ دُبُرُهُ (وَكُلُّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ) إذَا نُظِرَ إلَيْهِ، أَيْ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ.
سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُبْحِ ظُهُورِهِ (حَتَّى فِي نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَكْشُوفِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى سَتْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» وَحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ وَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ قَالَ: نَعَمْ وَازِرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ فِيهِمَا: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، فَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا خَالِيًا أَوْ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ وَلَمْ يُزِرَّهُ وَلَمْ يَشُدَّ عَلَيْهِ وَسَطَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَرَى مِنْهُ عَوْرَةَ نَفْسِهِ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ وَنَحْوِهِ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ رَآهَا غَيْرُهُ (وَيَجِبُ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ (حَتَّى خَارِجَهَا، وَحَتَّى فِي خَلْوَةٍ، وَحَتَّى فِي ظُلْمَةٍ) لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. قَالَ قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا تُرِيَنَّهَا قُلْت: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ.
و (لَا) يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ (مِنْ أَسْفَلَ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ مِنْ أَسْفَلَ، كَمَنْ صَلَّى عَلَى حَائِطٍ (بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ) مُتَعَلِّقٌ ب يَجِبُ، أَمَّا لَوْنُهَا مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ وَنَحْوِهِ.
وَلَوْ كَانَ السَّاتِرُ صَفِيقًا (وَلَوْ) كَانَ السِّتْرُ (ب) غَيْرِ مَنْسُوجٍ مِنْ (نَبَاتٍ وَنَحْوِهِ) كَوَرِقٍ وَلِيفٍ وَجِلْدٍ وَمَضْفُورٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ جُلُودٍ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ ثَوْبٍ.
(وَ) لَوْ كَانَ السِّتْرُ (مُتَّصِلًا بِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (كَيَدِهِ) إذَا وَضَعَهَا عَلَى خَرْقٍ فِي ثَوْبِهِ (وَلِحْيَتِهِ) الْمُسْتَرْسِلَةِ عَلَى جَيْبِ ثَوْبِهِ الْوَاسِعِ، وَلَوَلَاهَا لَبَانَتْ عَوْرَتُهُ وَ (لَا) يَجِبُ السَّتْرُ ب (بَارِيَةٍ) وَهِيَ شِبْهُ الْحَصِيرِ مِنْ قَصَبٍ.
(وَ) لَا (حَصِيرٍ) ، و (نَحْوِهِمَا مِمَّا يَضُرُّهُ) كَالشَّرِيجَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا. لِأَنَّ الضَّرَرَ مَطْلُوبٌ زَوَالُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute