{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا (وَ) إنْ أُطْلِقَ (بِلَا شَرْطٍ أَوْ) بِشَرْطِ (كَوْنَهُ رَقِيقًا فَإِنْ أَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ فَقَطْ) لِعَدَمِ شَرْطِ الْمُقَامِ عِنْدَهُمْ. وَشَرْطُ الرِّقِّ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ (وَإِلَّا) يُؤَمِّنُوهُ (فَيَقْتِلْ وَيَسْرِقْ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَهُ الْهَرَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْهُمْ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ
(وَلَوْ جَاءَ عِلْجٌ) مِنْ كُفَّارٍ (بِأَسِيرٍ) مُسْلِمٍ (عَلَى أَنْ يُفَادِيَ) الْمُسْلِمَ (بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ) قَالَ أَحْمَدُ (لَمْ يُرَدَّ، وَيَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْجَبَلُ أَهْوَنُ مِنْ السِّلَاحِ وَلَا يَبْعَثُ بِالسِّلَاحِ
(وَلَوْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مُسْلِمَةٌ لَمْ تُرَدَّ مَعَهُ وَيَرْضَى) لِيَتْرُكَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ (وَيُرَدُّ الرَّجُلُ) إنْ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِهِ وَإِنْ سُبِيَتْ كَافِرَةٌ فَجَاءَ ابْنُهَا وَطَلَبَهَا وَقَالَ عِنْدِي أَسِيرٌ مُسْلِمٌ فَأَطْلِقُوهَا لِأُحْضِرَهُ. فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: أَحْضِرْهُ فَأَحْضَرَهُ. لَزِمَ إطْلَاقُهَا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ إجَابَتُهُ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ إجَابَتَهُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَرْكِ أَسِيرِهِ وَيُرَدُّ إلَى مَأْمَنِهِ.
[بَابُ الْهُدْنَةِ]
ِ وَهِيَ لُغَةً الدَّعَةُ وَالسُّكُونُ وَشَرْعًا (عَقْدُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ) مَعَ الْكُفَّارِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً) وَهِيَ لَازِمَةٌ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١] وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ " وَلِدُعَاءِ الْمَصْلَحَةِ إلَيْهَا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ نَحْوِ ضَعْفٍ (وَتُسَمَّى مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً وَمُعَاهَدَةً وَمُسَالَمَةً) مِنْ السِّلْمِ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، لِحُصُولِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْكُفَّارِ.
(وَمَتَى زَالَ مَنْ عَقَدَهَا) أَيْ الْهُدْنَةَ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ (لَزِمَ) الْإِمَامَ (الثَّانِيَ الْوَفَاءُ) بِمَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ حَاكِمٌ حُكْمَ غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِهِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَعَ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ الْمُهَادَنِ أَهْلُهَا، وَفِيهِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ
(وَلَا تَصِحُّ) الْهُدْنَةُ (إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ) لِنَحْوِ ضَعْفٍ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْ مَانِعٍ بِالطَّرِيقِ (فَمَتَى رَآهَا الْإِمَامُ مَصْلَحَةً وَلَوْ بِمَالٍ مِنَّا ضَرُورَةً) كَخَوْفِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هَلَاكًا أَوْ أَسْرًا (مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ وَإِنْ طَالَتْ) الْمُدَّةُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ. فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute