فِيهِ صَغَارٌ فَهُوَ دُونَ صَغَارِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ: أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَك ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ، أَوْ تُخَذِّلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ إنْ جَعَلْت الشَّطْرَ فَعَلْت»
وَإِذَا زَادَ) الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ (عَلَى) مُدَّةِ (الْحَاجَةِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ) فَقَطْ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا (وَإِنْ أُطْلِقَتْ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ (أَوْ عُلِّقَتْ) الْهُدْنَةُ أَوْ الْمُدَّةُ (بِمَشِيئَةٍ لَمْ تَصِحَّ) الْهُدْنَةُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ كَالْإِجَارَةِ (وَمَتَى جَاءُوا) أَيْ الْمَعْقُودُ مَعَهُمْ الْهُدْنَة (فِي) هُدْنَةٍ (فَاسِدَةٍ مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ رُدُّوا) إلَى مَأْمَنِهِمْ (آمِنِينَ) وَلَمْ يُقَرُّوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِفَسَادِ الْأَمَانِ (وَإِنْ شَرَطَ) عَاقِدٌ (فِيهَا) أَيْ الْهُدْنَةِ شَرْطًا فَاسِدًا (أَوْ) شَرَطَ (فِي عَقْدِ ذِمَّةٍ شَرْطًا فَاسِدًا كَرَدِّ امْرَأَةٍ) إلَيْهِمْ (أَوْ) رَدِّ (صَدَاقِهَا أَوْ) رَدِّ (صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ (أَوْ) رَدِّ (سِلَاحٍ أَوْ) شَرَطَ (إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ بَطَلَ) الشَّرْطُ (دُونَ عَقْدٍ) كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ.
وَبُطْلَانُهُ فِي رَدِّ الْمَرْأَةِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] وَحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ» وَفِي رَدِّ صَدَاقِهَا لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا، فَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِغَيْرِهَا، وَفِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَضْعُفُ عَنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ. أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ وَفِي السِّلَاحِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَيْنَا، وَفِي إدْخَالِهِمْ الْحَرَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] وَيَصِحُّ شَرْطُ رَدِّ طِفْلٍ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ
(وَجَازَ) فِي هُدْنَةٍ (شَرْطُ رَدِّ رَجُلٍ جَاءَ) مِنْهُمْ (مُسْلِمًا لِلْحَاجَةِ) لِشَرْطِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ رَدُّهُ لَمْ يُرَدَّ إنْ جَاءَ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ (وَجَازَ) لِلْإِمَامِ (أَمْرُهُ) أَيْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا (سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَبِالْفِرَارِ) مِنْهُمْ (فَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذُهُ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ) ;
لِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ «لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا، فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ قَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي طَرِيقِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَك، قَدْ رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ وَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ. فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلُمْهُ بَلْ قَالَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ فَجَعَلُوا لَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا وَأَخَذُوهَا وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ أَحَدًا جَاءَهُ فَفَعَلَ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute