يُوَالِيهِمْ) أَيْ: وَمَنْ يُوَالِي هَذِهِ الْبِلَادَ مِنْ الْعَرَبِ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْإِعْرَابُ وَالْأَلْفَاظُ الْعَرَبِيَّةُ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصُهَا بِأَحْوَالٍ هِيَ الْإِعْرَابُ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ لِيَعْرِفَ بِذَلِكَ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَصْنَافِ عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (فَمَنْ عَرَفَ أَكْثَرَ ذَلِكَ فَقَدْ صَلَحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِذَلِكَ لِشُبْهَةٍ أَوْ إشْكَالٍ لَكِنْ يَكْفِيهِ مَعْرِفَةُ وُجُوهِ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ وَكَيْفِيَّةِ أَخْذِ الْأَحْكَامِ مِنْ لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا وَزَادَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَيَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ وَاسْتِصْحَابَ الْحَالِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى إبْطَالِ شُبَهِ الْمُخَالِفِ وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مَذْهَبِهِ.
[فَصْلٌ حَكَّمَ اثْنَانِ بَيْنَهُمَا رَجُلًا صَالِحًا لِلْقَضَاءِ]
فَصْلٌ وَإِنْ حَكَّمَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ (اثْنَانِ) فَأَكْثَرَ (بَيْنَهُمَا) رَجُلًا (صَالِحًا لِلْقَضَاءِ) بِأَنْ اتَّصَفَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ الْقَاضِي وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْعَشْرُ صِفَاتٍ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْقَاضِي لَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحَكِّمُ الْخَصْمَانِ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمَا (نَفَذَ حُكْمُهُ فِي كُلِّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ وَلَّاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ) لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ «: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَنْ أَكْبَرُ وَلَدِكَ؟ قَالَ: شُرَيْحٌ. قَالَ: فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
وَرُوِيَ مَرْفُوعًا " «مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضَيَا بِهِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَلْعُونٌ» " وَتَحَاكَمَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَاضِيًا (لَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُتَحَاكِمَيْنِ (الرُّجُوعُ) عَنْ تَحْكِيمِهِ (قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ تَصَرُّفِ وَكِيلِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ وَلَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِحُكْمِهِ وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ قَبُولُهُ وَكِتَابُهُ كَكِتَابِ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا بِالرِّضَا بِحُكْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يَجْحَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا أَنَّهُ حُكْمُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
وَفِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مُتَقَدِّمُو الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْوَسَاطَاتِ وَالصُّلْحِ عِنْدَ الْغَوْرَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَمْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute