[فَصْلٌ فِي الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِحَدَثٍ وَأَحْكَامُ الْمُصْحَفِ]
فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِحَدَثٍ، وَأَحْكَامُ الْمُصْحَفِ (مَنْ شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الشَّكُّ خِلَافُ الْيَقِينِ (فِي طَهَارَةٍ) بَعْدَ تَيَقُّنِ حَدَثٍ (أَوْ) شَكَّ فِي (حَدَثٍ) بَعْدَ تَيَقُّنِ طَهَارَةٍ (وَلَوْ) كَانَ شَكُّهُ ذَلِكَ (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ بَنَى عَلَى يَقِينِهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ " فِي الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ بِالشَّكِّ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُمَا كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا. فَيَرْجِعُ إلَى الْيَقِينِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا ; لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُلْتَفَت إلَيْهَا. كَظَنِّ صِدْقِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ.
وَالْيَقِينُ: مَا أَذْعَنَتْ النَّفْسُ لِلتَّصْدِيقِ بِهِ. وَقَطَعَتْ بِهِ وَقَطَعَتْ بِأَنَّ قَطْعَهَا بِهِ صَحِيحٌ. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ فِي مُقَدِّمَةِ الرَّوْضَةِ. وَسَمَّى مَا هُنَا يَقِينًا بَعْدَ وُرُودِ الشَّكِّ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ السَّابِقِ.
(وَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ الْحَدَثَ وَالطَّهَارَةَ، أَيْ تَيَقَّنَ كَوْنَهُ اتَّصَفَ بِالْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ بَعْدَ الشُّرُوقِ مَثَلًا (وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ: الْحَدَثَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فَإِنْ جَهِلَ قَبْلَهُمَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ: هَلْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشُّرُوقِ؟ (تَطَهَّرَ) وُجُوبًا، إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، لِتَيَقُّنِهِ الْحَدَثَ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ.
وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ لِأَنَّ وُجُودَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى مَشْكُوكٌ فِيهِ: أَكَانَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ هُنَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجْهَلْ حَالَةً قَبْلَهُمَا بَلْ عَلِمَهَا (فَهُوَ عَلَى ضِدِّهَا) فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَمُحْدِثٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَمُتَطَهِّرٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ زَوَالَ تِلْكَ الْحَالِ إلَى ضِدِّهَا.
وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute