للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بَابُ الْغَصْبِ]

(بَابُ الْغَصْبِ) مَصْدَرُ غَصَبَ يَغْصِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ. وَيُقَالُ: اغْتَصَبَهُ يَغْتَصِبُهُ اغْتِصَابًا وَالشَّيْءُ مَغْصُوبٌ وَغَصْبٌ. وَهُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ وَشَرْعًا (اسْتِيلَاءٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ) بِفِعْلٍ يُعَدُّ اسْتِيلَاءً (عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) وَمِنْهُ الْمَأْخُوذُ مَكْسًا وَنَحْوُهُ فَلَا يَحْصُلُ بِلَا اسْتِيلَاءٍ. فَلَوْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ أَوْ أَرْضَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِدُخُولِهِ بِلَا إذْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَا. لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ نَقْلُ الْعَيْنِ. فَيَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَاقِفَةً لَيْسَ عِنْدَهَا رَبُّهَا وَلَوْ دَخَلَ دَارًا قَهْرًا وَأَخْرَجَ رَبَّهَا فَغَاصِبٌ. وَإِنْ أَخْرَجَهُ قَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ أَوْ دَخَلَ مَعَ حُضُورِ رَبِّهَا وَقُوَّتِهِ فَلَا. وَإِنْ دَخَلَ قَهْرًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَقَدْ غَصَبَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الْغَصْبَ.

وَإِنْ دَخَلَهَا قَهْرًا فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا فَغَاصِبٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا قُمَاشَةٌ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ. وَأَمَّا اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْغَنِيمَةِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ) يَشْمَلُ الْمِلْكَ وَالِاخْتِصَاصَ، وَقَوْلُهُ " قَهْرًا " أَخْرَجَ بِهِ الْمَسْرُوقَ وَالْمُخْتَلَسَ وَنَحْوَهُ. وَقَوْلُهُ " بِغَيْرِ حَقٍّ " خَرَجَ بِهِ الشُّفْعَةُ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

(وَيُضْمَنُ عَقَارٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِغَصْبٍ. لِحَدِيثِ " «مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ.

وَفِي لَفْظٍ " مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ " وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ كَسُكْنَاهُ الدَّارَ وَمَنْعِ صَاحِبِهَا مِنْهَا. أَشْبَهَ أَخْذَ الدَّابَّةِ وَالْمَتَاعِ. وَيَصِحُّ غَصْبُ مُشَاعٍ كَأَرْضٍ أَوْ دَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَنْزِلُ الْغَاصِبُ فِيهَا وَيُخْرِجُ أَحَدَهُمَا وَيُقِرُّ الْآخَرَ مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعَ الْمُخْرَجِ. فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا إلَّا نَصِيبَ الْمُخْرَجِ حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّا الْمِلْكَ أَوْ انْتَفَعَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ الْمُخْرَجِ شَيْءٌ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ لِاثْنَيْنِ كَفَّ الْغَاصِبُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَنَزَلَ فِي التَّسَلُّطِ عَلَيْهِ مَوْضِعَهُ مَعَ إقْرَارِ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَاهُ بَطَلَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لِلنِّصْفِ وَصَحَّ بَيْعُ الْآخَرِ لِنِصْفِهِ. وَلَوْ غَصَبَ مِنْ قَوْمٍ ضَيْعَةً ثُمَّ رَدَّ إلَى أَحَدِهِمْ نَصِيبَهُ مُشَاعًا لَمْ يُطْلَبْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ. هَذَا مَعْنَى نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ مُلَخَّصًا.

(وَ) تُضْمَنُ (أُمُّ وَلَدٍ) بِغَصْبٍ ; لِأَنَّ حُكْمَهَا كَالْقِنِّ فِي الضَّمَانِ بِقِيمَتِهِمَا لَوْ قُتِلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>