[فَصْلٌ يَجِبُ عَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ إلَى مَحَلٍّ]
(فَصْلٌ: وَ) يَجِبُ (عَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ إلَى مَحَلِّهِ) إنْ (قَدَرَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى رَدِّهِ (وَلَوْ) كَانَ رَدُّهُ (بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ) أَيْ: الْمَغْصُوبِ (لِكَوْنِهِ بُنِيَ عَلَيْهِ) بِأَنْ غَصَبَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ مَثَلًا وَبُنِيَ عَلَيْهِ وَاحْتَاجَ فِي إخْرَاجِهِ وَرَدِّهِ إلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ (أَوْ) لِكَوْنِهِ (بَعُدَ) بِأَنْ حُمِلَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ تَكْثُرُ أُجْرَةُ رَدِّهِ عَلَى قِيمَتِهِ (أَوْ) لِكَوْنِهِ (خُلِطَ بِمُتَمَيِّزٍ) كَأَنْ غَصَبَ سِمْسِمًا وَخَلَطَهُ بِبُرٍّ وَاحْتَاجَ فِي تَخْلِيصِهِ إلَى أُجْرَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَأَنْ غَصَبَ حَيَوَانًا فَانْفَلَتَ بِمَكَانٍ يَعْسُرُ مَسْكُهُ فِيهِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أُجْرَةٍ، فَتَلْزَمُ الْغَاصِبَ لِحَدِيثِ " «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلِحَدِيثِ " «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا فَإِذَا أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إلَيْهِ أَوْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ; وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ فَكَانَ أَوْلَى بِغُرْمِهِ مِنْ مَالِكِهِ.
(وَإِنْ قَالَ رَبُّ) مَغْصُوبٍ (عَبْدٍ) لِغَاصِبٍ بَعْدَهُ: (دَعْهُ) بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهَا (وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدٍ غَصْبِهِ لَمْ يَجِبْ) أَيْ: لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ.
وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ غَاصِبٍ حَمْلَهُ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ وَكَذَا لَوْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِمَالِكِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّهُ وَأَبَى الْمَالِكُ. وَإِنْ أَرَادَ مَالِكٌ مِنْ غَاصِبٍ رَدَّهُ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَطْ لَزِمَهُ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَى جَمِيعِ الْمَسَافَةِ فَلَزِمَهُ إلَى بَعْضِهَا، كَمَدِينٍ أَسْقَطَ عَنْهُ رَبُّ الدَّيْنِ بَعْضَهُ وَطَلَبَ بَاقِيَهُ. وَكَذَا إنْ طَلَبَ إبْقَاءَهُ بِمَحَلِّهِ وَيَجُوزُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
(وَإِنْ سَمَّرَ) غَاصِبٌ (بِالْمَسَامِيرِ) الْمَغْصُوبَةِ (بَابًا) أَوْ غَيْرَهُ (قَلَعَهَا) وُجُوبًا (وَرَدَّهَا) لِرَبِّهَا لِلْخَبَرِ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ ; لِأَنَّهُ بِتَعَدِّيهِ. (وَإِنْ زَرَعَ) الْغَاصِبُ (الْأَرْضَ) الْمَغْصُوبَةَ (فَلَيْسَ لِرَبِّهَا) أَيْ: الْأَرْضِ إذَا رُدَّتْ (بَعْدَ حَصْدِ) الزَّرْعِ (إلَّا الْأُجْرَةُ) أَيْ: أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ إلَى رَدِّهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بَعْدَ حَصَادِهِ ; لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ غَرَسَ فِيهَا غَرْسًا ثُمَّ قَلَعَهُ.
(وَيُخَيَّرُ) رَبُّ أَرْضٍ قَدَرَ عَلَيْهَا مِنْ غَاصِبٍ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ حَصَادِهِ (بَيْنَ تَرْكِهِ) أَيْ: الزَّرْعِ فِي أَرْضِهِ (إلَيْهِ) أَيْ: الْحَصَادِ (بِأُجْرَتِهِ) أَيْ: أُجْرَةِ مِثْلِهِ (أَوْ تَمَلُّكِهِ) أَيْ: الزَّرْعِ (بِنَفَقَتِهِ وَهِيَ مِثْلُ الْبَذْرِ، وَعِوَضُ لَوَاحِقِهِ) مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ وَنَحْوِهِمَا. لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute