(بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (وَلَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ) لِلْخَبَرِ وَلِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: " لَوْ رَأَيْت حَدًّا عَلَى رَجُلٍ لَمْ آخُذْهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ " وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي يُؤَدِّي إلَى تُهْمَتِهِ وَحُكْمِهِ بِمَا يَشْتَهِي مَعَ الْإِحَالَةِ عَلَى عِلْمِهِ، لَكِنْ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ لِلْحَاكِمِ عَلَى سَمَاعِهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ ; لِأَنَّهَا مِنْ أَظْهَرِ الْبَيِّنَاتِ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْحَاكِمِ تُهْمَةٌ إذَا اسْتَنَدَ إلَيْهَا فَحُكْمُهُ بِهَا حُكْمٌ بِحُجَّةٍ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ.
ذَكَرَهُ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ (إلَّا عَلَى) رِوَايَةٍ (مَرْجُوحَةٍ) قَالَ (الْمُنَقَّحُ: وَقَرِيبٌ مِنْهَا) أَيْ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ أَفْرَادِهَا (الْعَمَلُ) أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ بِصُورَةٍ تُسَمَّى (بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ، بِأَنْ يُوَلِّيَ الشَّاهِدَ الْبَاقِي) مِنْ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ رَفِيقِهِ (الْقَضَاءَ لِلْعُذْرِ) فَيَقْضِي بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ، (وَقَدْ عَمِلَ بِهِ) أَيْ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ (كَثِيرٌ مِنْ حُكَّامِنَا وَأَعْظَمُهُمْ الشَّارِحُ) أَيْ شَارِحُ الْمُقْنِعِ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى حَاكِمٍ بِحُكْمٍ وَتَنْفِيذٍ، (وَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةِ بَيِّنَةٍ وَجَرْحِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ الْمُزَكِّينَ أَوْ جَرْحِهِمْ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمٍ فِي ذَلِكَ لَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْ الْمُزَكِّينَ إلَى مُزَكِّينَ ثُمَّ يَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى مُزَكِّينَ وَهَكَذَا
(وَمَنْ جَاءَ) مِنْ الْمُدَّعِينَ (بِبَيِّنَةٍ فَاسِقَةٍ اسْتَشْهَدَهَا الْحَاكِمُ) لِئَلَّا يَفْضَحَهَا، (وَقَالَ) لِمُدَّعٍ (زِدْنِي شُهُودًا) وَلَمْ يَقْبَلْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] .
[فَصْلٌ الْعَدَالَةُ فِي الْبَيِّنَةِ]
فَصْلٌ وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَكَذَا تُعْتَبَرُ بَاطِنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَقَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَقَوْلِهِ: {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ كَذِبُهُ (إلَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ) فَتَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا فَلَا يَبْطُلُ لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ، وَتَقَدَّمَ وَاخْتَارَ الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ لِقَبُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَوْلِ عُمَرَ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ ; وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ ; لِأَنَّهَا أَمْرٌ خَفِيٌّ سَبَبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute