وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ.
(فَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ) سَأَلَهُ حَاكِمٌ: أَلَك بَيِّنَةٌ فَقَالَ: (نَعَمْ قَالَ لَهُ) الْحَاكِمُ: (إنْ شِئْت فَأَحْضِرْهَا فَإِذَا أَحْضَرَهَا لَمْ يَسْأَلْهَا) الْحَاكِمُ عَمَّا عِنْدَهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِهِ، (وَلَمْ يُلَقِّنْهَا) الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ بَلْ إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي سُؤَالَهُ الْبَيِّنَةَ قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلْيَذْكُرْهَا إنْ شَاءَ وَلَا يَقُولُ لَهُمَا: اشْهَدَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ: مَا أَنَا دَعَوْتُكُمَا وَلَا أَنْهَاكُمَا أَنْ تَرْجِعَا وَمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ غَيْرُكُمَا وَإِنِّي بِكُمَا أَقْضِي الْيَوْمَ وَبِكُمَا أَتَّقِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، (فَإِذَا شُهِدَتْ) عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ (سَمِعَهَا وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (تَرْدِيدُهَا، وَيُكْرَهُ) لَهُ (تَعَنُّتُهَا) أَيْ طَلَبُ زِلَّتِهَا (وَانْتِهَارُهَا) أَيْ زَجْرُهَا لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْكِتْمَانِ، (وَلَا) يُكْرَهُ (قَوْلُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِمُدَّعًى عَلَيْهِ أَلَك فِيهَا دَافِعٌ أَوْ مَطْعَنٌ) ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قَوْلُهُ قَدْ شَهِدَا عَلَيْك فَإِنْ كَانَ لَكَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ لِي، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِمَا إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا، (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ) بِقَادِحٍ (وَاتَّضَحَ) لِلْحَاكِمِ (الْحُكْمُ وَكَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَسَأَلَهُ) أَيْ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ (لَزِمَهُ) الْحُكْمُ فَوْرًا وَلَا يَحْكُمُ بِدُونِ سُؤَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ
(وَيَحْرُمُ) الْحُكْمُ (وَلَا يَصِحُّ مَعَ عِلْمِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (بِضِدِّهِ) أَيْ ضِدِّ مَا يَعْلَمُهُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ (أَوْ مَعَ لَبْسٍ قَبْلَ الْبَيَانِ) وَيَأْمُرُ بِالصُّلْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] وَمَعَ عِلْمِهِ بِضِدِّهِ أَوْ اللَّبْسِ لَمْ يُرِهِ شَيْئًا يَحْكُمُ بِهِ
(وَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ) وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ طَلَبَ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالِاتِّفَاقِ، (وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُ حَكَمْت بِكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ) مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ، فَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ (وَلَهُ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ غَيْرُهُ) نَصًّا نَقَلَهُ حَرْبٌ ; لِأَنَّ مُسْتَنَدَ قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، فَجَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِمَا إذَا سَمِعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا " «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
فَجَعَلَ مُسْتَنَدَ قَضَائِهِ مَا يَسْمَعُهُ لَا غَيْرُهُ ; وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَبِسَمَاعِهِ أَوْلَى، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ وَ (لَا) يَحْكُمُ قَاضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute