للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ سَفَرًا (لِحَاجَةٍ) وَيَعُودُ (بَعْدَ) الْبَلَدِ الَّذِي أَرَادَهُ (أَوْ لَا) أَيْ لَمْ يَبْعُدْ (فَمُقِيمٌ) مِنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ إزَالَةً لِضَرَرِ السَّفَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُسَافِرُ بِهِ مُضَارَّةَ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَالْأُمُّ أَحَقُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ وَقَوَّاهُ غَيْرُهُ.

[فَصْلٌ بَلَغَ صَبِيٌّ مَحْضُونٌ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا]

وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ مَحْضُونٌ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا أَيْ تَمَّتْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ (خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا " «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ " خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي وَكُنْتُ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ ".

وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الْحَضَانَةِ لِحَقِّ الْوَلَدِ فَيُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَشْفَقُ، وَاخْتِيَارُهُ دَلِيلُ ذَلِكَ (فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا) لِيَحْفَظَهُ وَيُعَلِّمَهُ وَيُؤَدِّبَهُ (وَلَا يُمْنَعُ زِيَارَةَ أُمِّهِ) ; لِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لَهُ بِالْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَيَزُورُهَا عَلَى الْعَادَةِ كَيَوْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ (وَلَا) تُمْنَعُ (هِيَ تَمْرِيضَهُ) لِصَيْرُورَتِهِ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ لِلْحَاجَةِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ.

(وَإِنْ اخْتَارَهَا) أَيْ الْأُمَّ (كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا) ; لِأَنَّهُ وَقْتُ السَّكَنِ وَانْحِيَازُ الرِّجَالِ إلَى الْمَسَاكِنِ.

(وَ) كَانَ (عِنْدَهُ) أَيْ الْأَبِ (نَهَارًا) ; لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّصَرُّفِ فِي الْحَوَائِجِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ (لِيُؤَدِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ) لِئَلَّا يَضِيعَ (وَإِنْ) اخْتَارَ صَبِيٌّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ (عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ نُقِلَ إلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إلَيْهِ) وَهَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا نُقِلَ إلَيْهِ ; لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ لِحِفْظِ نَفْسِهِ فَأُتْبِعَ مَا يَشْتَهِيهِ كَالْمَأْكُولِ. وَإِنْ كَانَ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَّهُ مِنْ فَسَادٍ. وَيَكْرَهُ الْآخَرَ لِلْأَدَبِ لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: (وَيُقْرَعُ) بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ (إنْ لَمْ يَخْتَرْ) الصَّبِيُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا (أَوْ اخْتَارَهُمَا) جَمِيعًا ; لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَضَانَتِهِ، فَلَا مُرَجِّحَ غَيْرَ الْقُرْعَةِ (وَإِنْ بَلَغَ) الذَّكَرُ (رَشِيدًا كَانَ حَيْثُ شَاءَ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ وَزَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْهُ وَقُدْرَتِهِ عَلَى إصْلَاحِ أُمُورِهِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ يَخَافُ

<<  <  ج: ص:  >  >>