«أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِلَا إذْنِهِ خِيَانَةٌ لَهُ.
وَحَدِيثِ: " «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ; وَلِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ فَهِيَ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ تَرَاضٍ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا رَبِّهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: لَا آخُذُ حَقِّي إلَّا مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ بَقِيَ وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَقَاصَّا (إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذَ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ) فَيَأْخُذُهُ وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، (أَوْ مَنَعَ زَوْجٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ) كَقَرِيبٍ وَمُعْتِقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَمَوْلَاهُ (مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالْكِسْوَةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ، لَهُ الْأَخْذُ لِحَدِيثِ هِنْدٍ وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّيْنِ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَيْ فَتَشُقُّ الْمُحَاكَمَةُ وَالْمُخَاصَمَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ.
وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قِيَامَ الزَّوْجَةِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَكَأَنَّ الْحَقَّ صَارَ مَعْلُومًا بِعِلْمِ قِيَامِ مُقْتَضِيهِ، وَأَيْضًا فَالْمَرْأَةُ تَنْبَسِطُ فِي مَالِ الزَّوْجِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَأَثَّرَ فِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَيْضًا النَّفَقَةُ تُرَدُّ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ وَلَا صَبْرَ عَنْهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَخْذُ نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الْآخَرِ فِضَّةً، (فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا) دَيْنَ صَاحِبِهِ (فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ) دَيْنَ الْجَاحِدِ لِدَيْنِهِ ; لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَرَاضَيَا فَإِنَّ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ تَقَاصَّا.
[بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]
وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُكَاتَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ بِلْقِيسَ: {إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ;} [النمل: ٢٩] وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَاتَبَ وُلَاتَهُ وَعُمَّالَهُ وَسُعَاتَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَالطَّلَبُ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالشُّهُودِ وَرُبَّمَا كَانُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِهِ فَيَتَعَذَّرُ الْإِثْبَاتُ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ
(وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَوَصِيَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute