رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحُكْمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ; وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَتِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِنَفَقَتِهِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ رَبِّ الْأَرْضِ فَمَلَكَ الْخِيَرَةَ بَيْنَهُمَا. وَلَا يُجْبَرُ غَاصِبٌ عَلَى قَلْعِ زَرْعِهِ ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ بِلَا إتْلَافِ مَالِ الْغَاصِبِ عَلَى قُرْبٍ مِنْ الزَّمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ، كَسَفِينَةٍ غَصَبَهَا وَحَمَلَ فِيهَا مَتَاعَهُ وَأَدْخَلَهَا اللُّجَّةَ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ ; لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ وَلَا يُعْلَمُ انْتِهَاؤُهَا. وَحَدِيثُ " «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» " وَرَدَ فِي الْغَرْسِ وَحَدِيثُ رَافِعٍ فِي الزَّرْعِ فَعَمَلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا.
(وَإِنْ غَرَسَ) غَاصِبُ أَرْضٍ فِيهَا (أَوْ بَنَى فِيهَا أُخِذَ) أَيْ: أُلْزِمَ (بِقَلْعِ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ) لِحَدِيثِ «لَيْسَ لِعِرَقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَ) أَخَذَ بِ (تَسْوِيَتِهَا وَأَرْشِ نَقْصِهَا) لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ (وَأُجْرَتِهَا) إلَى تَسْلِيمِهَا لِتَلَفِ مَنَافِعِهَا تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا، وَأَرْشُ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ بِتَرْكِ زَرْعِهَا ذَلِكَ الْعَامَ، كَأَرَاضِي الْبَصْرَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَتْ بِغَيْرِهِ (حَتَّى وَلَوْ كَانَ) الْغَاصِبُ (أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ) فِي الْأَرْضِ (أَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا) الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي فِيهَا (لَكِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ) لِلتَّعَدِّي (وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ أَرْضٍ (أَخْذَهُ) أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (بِقِيمَتِهِ) ; لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْغَاصِبِ.
أَشْبَهَ مَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثَاثًا أَوْ نَحْوَهُ ; وَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمَالِكُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ تَمَلُّكُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِقِيمَتِهٍ مَقْلُوعًا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ (وَإِنْ وَهَبَ) أَيْ: وَهَبَ غَارِسٌ أَوْ بَانَ غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ (لِمَالِكِهَا) أَيْ: الْأَرْضِ (لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ) ; لِأَنَّ فِيهِ إجْبَارًا عَلَى عَقْدٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا، وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا نَوًى فَصَارَ شَجَرًا، فَكَمَا لَوْ حَمَلَ الْغَاصِبُ إلَيْهَا غَرْسًا، فَغَرَسَهُ فِيهَا (وَرُطَبُهُ وَنَحْوُهَا) مِمَّا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ وَبَامِيَا (كَزَرْعٍ) فَلِرَبِّهَا إذَا أَدْرَكَهُ قَائِمًا أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِنَفَقَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ بِأُجْرَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِرْقٌ قَوِيٌّ أَشْبَهَ الْحِنْطَةَ (لَا) ك (غَرْسٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَإِنْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَهُ غَاصِبٌ فِي مَغْصُوبٍ) فَالثَّمَرُ لِلْغَاصِبِ عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبِ الْفَائِقِ وَابْنِ رَزِينٍ.
وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَنَوَادِرِ الْمَذْهَبِ: كَالزَّرْعِ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الْأَوَّلَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
(وَمَتَى كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوبٍ) بِأَنْ ضَرَبَ مِنْ تُرَابِهِ لَبِنًا وَبَنَى بِهِ بَيْتًا فِيهَا (فَ) عَلَيْهِ (أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً) ; لِأَنَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (وَلَا يَمْلِكُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute