للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ لِحَدِيثِ " «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» " حَيْثُ حُصِرَ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ تُشْرَعْ لِغَيْرِهِ.

وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ بَاعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا وَادَّعَى عَلَيْهِ زَيْدٌ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَأَنْكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَتَحَاكَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: احْلِفْ أَنَّك مَا عَلِمْت بِهِ عَيْبًا فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ "، (وَهُوَ) أَيْ النُّكُولُ (كَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) بِمُوجَبِ الدَّعْوَى عَلَى نَاكِلٍ (لَا كَإِقْرَارٍ) ; لِأَنَّ النَّاكِلَ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ مُتَوَرِّعٌ عَنْ الْيَمِينِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُقِرٌّ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَيُجْعَلُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ نُكُولِهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَشَهَادَةٌ لِلْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُقِرًّا شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِسُكُوتِهِ؟ (وَلَا كَبَذْلٍ) لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ وَتَبَرُّعٌ، وَالنَّاكِلُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ، فَلَوْ كَانَ النُّكُولُ بَدَلًا لَاعْتُبِرَ خُرُوجُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَحَيْثُ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ وَالْبَذْلِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ، وَنُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى خَصْمِهِ.

(لَكِنْ لَا يُشَارِكُ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ) أَيْ النُّكُولِ (عَلَى مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ (لِفَلَسٍ غُرَمَاءَهُ) أَيْ الْمُفْلِسِ الثَّابِتِ حَقُّهُمْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ تَوَاطُؤِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ لِيَقْطَعَا بِذَلِكَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي الْحَجْرِ.

(وَإِنْ قَالَ مُدَّعٍ) سُئِلَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ: (لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً ثُمَّ أَتَى بِهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ سُمِعَتْ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَنَفْيُ الْعِلْمِ لَا يَنْفِيهَا فَلَا تَكْذِيبَ لِنَفْسِهِ (أَوْ قَالَ مُدَّعٍ) سُئِلَ عَنْ بَيِّنَةٍ لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً فَقَالَ (عَدْلَانِ: نَحْنُ نَشْهَدُ لَك فَقَالَ: هَذِهِ بَيِّنَتِي سُمِعَتْ) لِمَا سَبَقَ

وَ (لَا) تُسْمَعُ (إنْ قَالَ) مُدَّعٍ (مَا لِي بَيِّنَةٌ ثُمَّ أَتَى بِهَا) نَصًّا ; لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا (أَوْ قَالَ:) مَنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ (كَذَبَ شُهُودِي أَوْ قَالَ) الْمُدَّعِي: (كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ زُورٌ، وَ) فَهِيَ (بَاطِلَةٌ أَوْ، فَلَا حَقَّ لِي فِيهَا) ، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ بَعْدُ لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ، (وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ) ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الْمُدَّعَى، فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>