كِفَايَةٍ قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَخَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ بِهَا
(وَيَجِبَانِ) أَيْ التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ (إذَا دُعِيَ) إلَيْهِمَا (أَهْلٌ لَهُمَا) ; لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (بِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يُخَافُ تَعَدِّيهِ نَقَلَ مِنْهَا أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ، (وَقَدَرَ) عَلَى التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ) ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِقَوْلِهِ: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: ٢٨٢] وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» " وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا لَا أَشْهَدُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِّيفًا وَلَا شُرْطِيًّا» "
(فَلَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ) الشَّهَادَةَ (وَقَالَ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ: (احْلِفْ بِهِ لِي أَثِمَ) اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَيَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ
(وَلَا يُقِيمُهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُهُ بِهِ، (وَمَتَى وَجَبَتْ) الشَّهَادَةُ (وَجَبَتْ كِتَابَتُهَا عَلَى مَنْ وَجَبَتْ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْسَاهَا
(وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ لِتَحَمُّلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ) ، إذْ التَّحَمُّلُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ (وَلَا يَحْرُمُ أَدَاؤُهُ) أَيْ الْفَاسِقِ الشَّهَادَةَ، (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِسْقُهُ ظَاهِرًا) ; لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ. وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ
(وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ) عَلَى شَهَادَةٍ (وَ) أَخْذُ (جُعْلٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ) ; لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَمَنْ قَامَ بِهِ فَقَدْ قَامَ بِفَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَلَا الْجُعْلِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، (لَكِنْ إنْ عَجَزَ) الشَّاهِدُ (عَنْ الْمَشْيِ) إلَى مَحَلِّهَا (أَوْ تَأَذَّى بِهِ) أَيْ الْمَشْيِ (فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ مَرْكُوبٍ) مِنْ رَبِّ الشَّهَادَةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ وَالنَّفَقَةُ عَلَى رَبِّهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْت هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ خَفَرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَكَذَا حُكْمُ مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُتَرْجِمٍ وَمُفْتٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَحَافِظِ بَيْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute