رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانُوا هُمْ الَّذِينَ تَوَلَّوْا غُسْلَهُ. وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى سَتْرِ أَحْوَالِهِ، وَقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (ثُمَّ) الْمُقَدَّمُ (بَعْدَ) الرِّجَالِ (الْأَجَانِبِ مَحَارِمُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ (النِّسَاءِ) وَعُلِمَ مِنْهُ: تَقْدِيمُ الْأَجَانِبِ عَلَى الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ، لِضَعْفِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ، وَخَشْيَةَ انْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْهُنَّ (فَالْأَجْنَبِيَّاتُ) لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْنِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسٌّ وَلَا نَظَرٌ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ.
(وَ) يُقَدَّمُ (بِدَفْنِ امْرَأَةٍ مَحَارِمُهَا الرِّجَالُ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ. لِأَنَّ امْرَأَةَ عُمَرَ لَمَّا تُوُفِّيَتْ قَالَ لِأَهْلِهَا " أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا " وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِهَا حَالَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (فَزَوْجٌ) لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِمَحْرَمِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ (فَأَجَانِبُ) لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عَنْ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ، «وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ فَنَزَلَ قَبْرَ ابْنَتِهِ» وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ (فَمَحَارِمُهَا) أَيْ الْمَيِّتَةِ (النِّسَاءُ) الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى لِمَزِيَّةِ الْقُرْبِ.
(وَيُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ) مُسْتَوِينَ (خَصِيٌّ، فَشَيْخٌ فَأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً) بِالدَّفْنِ وَمَا يُطْلَبُ فِيهِ (وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ) عَهْدُهُ لِضَعْفِ دَاعِيَتِهِ.
وَلَا يُكْرَهُ لَأَجْنَبِيٍّ دَفْنُ امْرَأَةٍ مَعَ حُضُورِ مَحْرَمِهَا نَصًّا.
(وَكُرِهَ) دَفْنٌ (عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقِيَامِهَا وَغُرُوبِهَا) لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَيُبَاحُ فِي غَيْرِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا.
قَالَ أَحْمَدُ فِي الدَّفْنِ فِي اللَّيْلِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، أَبُو بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا، وَعَلِيٌّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا، وَالدَّفْنُ نَهَارًا أَوْلَى ; لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى مُتَّبِعِهَا، وَأَكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ، وَأَمْكَنُ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي دَفْنِهِ.
(وَلَحْدٌ) أَفْضَلُ مِنْ شَقٍّ، وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ: أَنْ يَحْفِرَ فِي أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ حُفْرَةً تَسَعُ الْمَيِّتَ، وَأَصْلُهُ الْمَيْلُ (وَكَوْنُهُ) أَيْ اللَّحْدِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ ظَهْرُهُ إلَى جِهَةِ مُلْحِدِهِ (وَنَصْبِ لَبِنٍ) أَيْ طُوبٍ غَيْرِ مَشْوِيٍّ (عَلَيْهِ) أَيْ اللَّحْدِ (أَفَضْلُ) مِنْ نَصْبِ حِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا «لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَيَجُوزُ بِبَلَاطٍ.
(وَكُرِهَ شَقٌّ بِلَا عُذْرٍ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ الشَّقَّ لِحَدِيثِ «اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. وَالشَّقُّ أَنْ يَحْفِرَ وَسَطَ الْقَبْرِ كَالْحَوْضِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اللَّحْدُ لِكَوْنِ التُّرَابِ يَنْهَالُ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِنَصْبِ لَبِنٍ وَلَا حِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ الشَّقُّ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ شِبْهُ اللَّحْدِ مِنْ الْجَنَادِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute