(وَيُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا) نَصًّا ; لِأَنَّهُ فَكَّ رَقَبَةً مِنْ الْأَسْرِ، فَهُوَ كَفَكِّ الْقِنِّ مِنْ الرِّقِّ، وَإِعْزَازٌ لِلدِّينِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَمِثْلُهُ لَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ. و (لَا) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يُعْتِقَ قِنَّهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْهَا) أَيْ: زَكَاتِهِ لِأَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ تَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ مِنْهَا لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ مَالٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ تِجَارَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِمْ لَا فِي عَيْنِهِمْ (وَمَا أَعْتَقَ) إمَامٌ أَوْ (سَاعٍ مِنْهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ وَمَا أَعْتَقَ رَبُّ الْمَالِ مِنْهَا، فَوَلَاؤُهُ لَهُ.
(و) السَّادِسُ (غَارِمٌ) وَهُوَ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ (تَدَيَّنَ لَا بِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) أَيْ: وَصْلٍ، كَقَبِيلَتَيْنِ أَوْ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ تَشَاجَرُوا فِي دِمَاءٍ أَوْ أَمْوَالٍ، وَخِيفَ مِنْهُ فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَأَلْزَمَ فِي ذِمَّتِهِ مَالًا عِوَضًا عَمَّا بَيْنَهُمْ، لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَقَدْ أَتَى مَعْرُوفًا عَظِيمًا، فَكَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ حَمْلُهُ عَنْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، لِئَلَّا يُجْحَفَ بِسَادَةِ الْقَوْمِ الْمُصْلِحِينَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ الرَّجُلُ الْحَمْلَةَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ، يَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَأَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ ذَلِكَ، وَأَبَاحَتْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ تَحَمَّلَ إتْلَافًا أَوْ نَهْيًا عَنْ غَيْرِهِ) فَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاتِهِ (وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَأَشْبَهَ الْمُؤَلَّفَ، وَالْعَامِلَ (وَلَمْ يَدْفَعْ مِنْ مَالِهِ) مَا نَحْمِلُهُ ; لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَدِينًا، وَإِنْ اقْتَرَضَ وَوَفَّاهُ فَلَهُ الْأَخْذُ بِوَفَائِهِ، لِبَقَاءِ الْغُرْمِ (أَوْ لَمْ يَحِلَّ) الدَّيْنُ، فَلَهُ الْأَخْذُ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ قَبِيصَةَ (أَوْ) كَانَ مَا لَزِمَهُ (ضَمَانًا) بِأَنْ ضَمِنَ غَيْرَهُ فِي دَيْنٍ (وَأَعْسَرَا) أَيْ: الْمَضْمُونُ وَالضَّامِنُ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ لِوَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا، وَلَا إلَى أَحَدِهِمَا. وَالثَّانِي مِنْ ضَرْبِ الْغَارِمِ: مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ تَدَيَّنَ لِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ (لِنَفْسِهِ) فِي شَيْءٍ (مُبَاحٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ لِنَفْسِهِ (فِي) شَيْءٍ (مُحَرَّمٍ، وَتَابَ) مِنْهُ (وَأَعْسَرَ) بِالدَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: ٦٠] (وَيُعْطَى) غَارِمٌ (وَفَاءَ دَيْنِهِ، كَمُكَاتَبٍ) لِانْدِفَاعِ حَاجَتِهِمَا بِهِ، وَدَيْنُ اللَّهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَلَا يُقْضَى مِنْهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (دَيْنٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute