قَوْله تَعَالَى {: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦] وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ. فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا عَامٌّ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ. وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ. فَأَمَّا لِلْآيَةِ فَلَعَلَّ ذِكْرَ السَّفَرِ فِيهَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، كَذِكْرِهِ فِي الرَّهْنِ. فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ مُعْتَبَرًا (وَلَوْ بِفَمٍ لِفَقْدِ آلَةٍ) كَمَقْطُوعِ يَدَيْنِ، وَصَحِيحٍ عَدِمَ مَا يَسْتَقِي بِهِ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ، أَوْ يَدَاهُ نَجِسَتَانِ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ.
فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَنَاوُلِهِ بِنَحْوِ فَمٍ أَوْ عَلَى غَمْسِ أَعْضَائِهِ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، لَزِمَهُ لِأَنَّهُ فَرَضَهُ (أَوْ) تَعَذَّرَ الْمَاءُ مَعَ وُجُودِهِ (ل) عَارِضٍ مِنْ (مَرَضٍ) يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ (مَعَ عَدَمِ مُوَضِّئٍ) لَهُ، أَوْ مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ (أَوْ) غَيْبَتِهِ عَنْهُ مَعَ (خَوْفِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ بِانْتِظَارِهِ) أَيْ الْمُوَضِّئِ أَوْ الصَّابِّ (أَوْ خَوْفِهِ) أَيْ الْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (بِاسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَاءِ (بُطْءَ بُرْءٍ) أَيْ طُولَ مَرَضٍ (أَوْ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ (بَقَاءَ شَيْنٍ) أَيْ أَثَرَ قُرُوحٍ تَفْحُشُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا اهـ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: ٦] وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ ذَهَابَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ. فَهُنَا أَوْلَى (أَوْ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ (ضَرَرَ بَدَنِهِ مِنْ جُرْحٍ) فِيهِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ (أَوْ) مِنْ (بَرْدٍ شَدِيدٍ) وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ (أَوْ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ (فَوْتَ رِفْقَةٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوَاتِ الرِّفْقَةِ، لِفَوَاتِ الْأُلْفِ وَالْأُنْسِ (أَوْ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوْتَ (مَالِهِ، أَوْ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ (عَطَشَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَيْنِ) بِخِلَافِ نَحْوِ حَرْبِيٍّ وَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ، أَوْ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَمَنْ مَعَهُ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَخَافَ عَطَشًا ; حَبَسَ الطَّاهِرَ وَأَرَاقَ النَّجِسَ، إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِلَّا حَبَسَهُ (أَوْ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ (احْتِيَاجَهُ) أَيْ الْمَاءَ (لِعَجْنٍ أَوْ طَبْخٍ) .
فَمَنْ خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَفِيقِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَخَشِيَ الْعَطَشَ: أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ وَيَتَيَمَّمُ (أَوْ) تَعَذَّرَ الْمَاءُ (لِعَدَمِ بَذْلِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي مَكَانِهِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute