لِلْحَاجَةِ وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ أَوْ بَقَاءِ شَغْلِ الذِّمَّةِ، إذْ لَا طَرِيقَ إلَى التَّخَلُّصِ إلَّا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَهْلُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ وَالْجَهْلُ بِهِ يَمْنَعُهُ وَإِذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) عِلْمُ الْمَجْهُولِ كَتَرِكَةٍ بَاقِيَةٍ صَالَحَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجَةَ عَنْ حِصَّتِهَا مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ بِهَا (فَكَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ) جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ نَزَّلَ أَصْحَابُنَا الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ الْمُقَرِّ بِهِ بِمَعْلُومٍ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِنْصَافُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ; وَلِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ الْإِبْرَاءَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ فِي الْمَالِ، الصُّلْحُ (عَلَى إنْكَارٍ بِأَنْ يَدَّعِيَ) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ (عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَيُنْكِرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ يَسْكُتَ وَهُوَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (يَجْهَلُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ (ثُمَّ يُصَالِحَهُ عَلَى نَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ) ; لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ (فَيَصِحُّ) الصُّلْحُ لِلْخَيْرِ. لَا يُقَالُ: هَذَا يُحِلُّ حَرَامًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَّ بِالصُّلْحِ ; لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَكَذَا الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْهِبَةِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، بَلْ مَعْنَى يُحِلُّ حَرَامًا مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَاءِ تَحْرِيمِهِ، كَاسْتِرْقَاقِ حُرٍّ، أَوْ إحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ الصُّلْحِ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ (وَيَكُونُ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارِ (إبْرَاءِ حَقِّهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ بَذْلُ الْعِوَضِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ فَ (لَا شُفْعَةَ فِيهِ) أَيْ الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ.
(وَلَا يَسْتَحِقُّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِعَيْبٍ) وَجَدَهُ فِي مُصَالَحٍ عَنْهُ (شَيْئًا) ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ فَلَا مُعَاوَضَةَ.
(وَ) يَكُونُ الصُّلْحُ (بَيْعًا فِي حَقِّ مُدَّعٍ فَلَهُ رَدُّهُ) أَيْ الْمُصَالَحِ بِهِ عَمَّا ادَّعَاهُ (بِعَيْبٍ) يَجِدُهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضُ مَا ادَّعَاهُ (وَفُسِخَ الصُّلْحُ) إنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ وَإِلَّا طَالَبَ بِبَدَلِهِ (وَيَثْبُتُ فِي) شِقْصٍ (مَشْفُوعٍ) صُولِحَ بِهِ (الشُّفْعَةُ) ; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ (إلَّا إذَا صَالَحَ) الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ (بِبَعْضِ عَيْنٍ مُدَّعًى بِهَا) .
كَمَنْ ادَّعَى نِصْفَ دَارٍ بِيَدِ آخَرَ فَأَنْكَرَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute