لِأَنَّهَا لَمْ تُوَفِّ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ دَابَّةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ أَرْضَعَهُ فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا ; لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرٍ إطْعَامُهُمَا إلَّا مَا يُوَافِقُهُمَا مِنْ الْأَغْذِيَةِ.
(وَسُنَّ عِنْدَ فِطَامٍ لِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ أَمَةً) لِوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ (إعْتَاقُهَا وَ) لِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ (حُرَّةً) لِوَلَدِهِ (إعْطَاؤُهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ - بِفَتْحِ الذَّالِ مِنْ الذَّمِّ - قَالَ: الْغُرَّةُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ» .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَعَلَّ هَذَا فِي الْمُتَبَرِّعَةِ بِالرَّضَاعِ.
(وَالْعَقْدُ) فِي الرَّضَاعِ (عَلَى الْحَضَانَةِ) أَيْ: خِدْمَةِ الْمُرْتَضِعِ وَحَمْلِهِ وَدَهْنِهِ وَنَحْوِهِ وَوَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ (وَاللَّبَنُ تَبَعٌ) كَصَبْغِ صَبَّاغٍ وَمَاءِ بِئْرٍ بِدَارٍ ; لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ فَلَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ إجَارَةٌ كَلَبَنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: (وَالْأَصَحُّ اللَّبَنُ) ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْخِدْمَةِ ; وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَا خِدْمَةٍ اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا رَضَاعٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] فَرَتَّبَ إيتَاءَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَدَلَّ أَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ; وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ عَلَى الْخِدْمَةِ لَمَا لَزِمَهَا سَقْيُ لَبَنِهَا وَجَوَازُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ رُخْصَةٌ ; لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلِضَرُورَةِ حِفْظِ الْآدَمِيِّ.
(وَإِنْ أُطْلِقَتْ) حَضَانَةٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَضَانَتِهِ وَأُطْلِقَ لَمْ يَشْمَلْ الرَّضَاعَ (أَوْ خُصِّصَ رَضَاعٌ) بِالْعَقْدِ بِأَنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكِ لِرَضَاعِهِ (لَمْ يَشْمَلْ الْآخَرَ) أَيْ: الْحَضَانَةَ ; لِئَلَّا يَلْزَمَهَا زِيَادَةٌ عَمَّا اشْتَرَطَ عَلَيْهَا.
(وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ) انْفَسَخَ بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ (أَوْ) وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ (مَعَ حَضَانَةٍ انْفَسَخَ) الْعَقْدُ (بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ) ; لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ (وَشُرِطَ) فِي اسْتِئْجَارٍ لِرَضَاعٍ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ (مَعْرِفَةُ مُرْتَضِعٍ) بِمُشَاهَدَةٍ لِاخْتِلَافِ الرَّضَاعِ بِاخْتِلَافِ الرَّضِيعِ كِبَرًا وَصِغَرًا وَنَهْمَةً وَقَنَاعَةً.
(وَ) الثَّانِي: مَعْرِفَةُ (أَمَدِ رَضَاعٍ) إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إلَّا بِالْمُدَّةِ ; لِأَنَّ السَّقْيَ وَالْعَمَلَ فِيهَا يَخْتَلِفُ.
(وَ) الثَّالِثُ: (مَعْرِفَةُ مَكَانِهِ) أَيْ: الرَّضَاعِ ; لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْهُلُ فِي بَيْتِهَا.
وَ (لَا) يَصِحُّ (اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ بِعَلَفِهَا) فَقَطْ أَوْ مَعَ نَحْوِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ ; لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلَا عُرْفَ لَهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ وَصَفَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ كَشَعِيرٍ وَقَدَّرَهُ بِمَعْلُومٍ جَازَ (أَوْ) يَسْتَأْجِرُ (مَنْ يَسْلُخُهَا) أَيْ: الدَّابَّةَ (بِجِلْدِهَا) فَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَخْرُجُ الْجِلْدُ صَحِيحًا سَلِيمًا أَمْ لَا؟ وَهَلْ هُوَ ثَخِينٌ أَوْ رَقِيقٌ ; وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ فَإِنْ سَلَخَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (أَوْ يَرْعَاهَا) أَيْ: الدَّابَّةَ (بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهَا) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِثُلُثِ دَرِّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute