الرُّجُوعَ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ تَضَرُّرِ الْمُسْتَعِيرِ، فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ بَدَلِهَا كَالْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ ; وَلِأَنَّهُ إذَا أَبَى أَخْذَ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَفْسِهِ فَإِبْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ جِهَتِهِ.
فَلَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ (إلَّا فِي الزَّرْعِ) أَيْ: إذَا أَعَارَهُ لِلزَّرْعِ وَزَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَوَانِ حَصْدِهِ. وَلَا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى الْحَصَادِ ; لِوُجُوبِ تَبْقِيَتِهِ فِيهَا قَهْرًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ. بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ ; وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ ; لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ. وَهُوَ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرْسِ فَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَلَا إلَى قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَآلَاتِ الْبِنَاءِ. وَالْمُسْتَعِيرُ إذَا اخْتَارَ قَلْعَ زَرْعِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَالِكِ الِانْتِفَاعَ بِأَرْضِهِ ذَلِكَ الْعَامَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ إبْقَاؤُهُ بِأُجْرَتِهِ إلَى حَصَادِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
(وَإِنْ غَرَسَ) مُسْتَعِيرٌ (أَوْ بَنَى) فِيمَا اسْتَعَارَهُ لِذَلِكَ (بَعْدَ رُجُوعِ) مُعِيرٍ: فَغَاصِبٌ (أَوْ) غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ (أَمَدِهَا) أَيْ: الْعَارِيَّةِ (فِي) عَارِيَّةٍ (مُؤَقَّتَةٍ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْدَهُ بِالرُّجُوعِ (فَغَاصِبٌ) ; لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِزَوَالِ الْإِعَارَةِ بِالرُّجُوعِ وَبِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا إذَا قُيِّدَتْ بِوَقْتٍ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ، فَقَالَ مُسْتَعِيرٌ: هِيَ سَنَتَانِ، وَقَالَ مُعِيرٌ: هِيَ سَنَةٌ، أَوْ قَالَ: أَذِنْتَ لِي فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ فَرْسَخَيْنِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ فَرْسَخًا فَقَوْلُ مَالِكٍ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعَارَةِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ.
(وَالْمُشْتَرِي) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ (كَمُسْتَعِيرٍ) فِي أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُؤَجِّرَ لَا يَمْلِكُ قَلْعَ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ بِلَا ضَمَانِ نَقْصٍ ; لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ. وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَإِذَا غَرَسَ مُشْتَرٍ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ بَنَى ثُمَّ فُسِخَ بَيْعٌ لِنَحْوِ عَيْبٍ فَكَغَرْسٍ أَوْ بِنَاءِ مُسْتَعِيرٍ.
(وَمَنْ حَمَلَ سَيْلٌ إلَى أَرْضِهِ بَذْرَ غَيْرِهِ) وَنَبَتَ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ (فَ) الزَّرْعُ (لِرَبِّهِ) أَيْ: رَبِّ الْبَذْرِ (مَبْقِيٌّ إلَى) أَوَانِ (حَصَادٍ) ; لِأَنَّ قَلْعَهُ إتْلَافٌ لَهُ عَلَى مَالِكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ (بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ) ; لِأَنَّ إلْزَامَ رَبِّ الْأَرْضِ بِتَبْقِيَةِ زَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إضْرَارٌ بِهِ وَشَغْلٌ لِمِلْكِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ بِلَا عِوَضٍ فَوَجَبَ عَلَى رَبِّ الْبَذْرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمُسْتَأْجِرٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَبَقِيَ زَرْعُهُ (وَحَمَلَهُ) أَيْ: السَّيْلُ (لِغَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ) كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ (إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَالِكِ هَذِهِ (فَنَبَتَ) فِي الْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute