للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ، وَلِمَالِكِهِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ لَهُ، لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ. وَلَهُ تَضْمِينُ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ يَدِ ضَامِنِهِ وَأَتْلَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ (وَإِلَّا) يَعْلَمَ الْآكِلُ بِغَصْبِهِ بِأَنْ أَكَلَهُ ظَانًّا أَنَّهُ طَعَامُ الْغَاصِبِ (فَ) قَرَارُ ضَمَانِهِ (عَلَى غَاصِبٍ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) الْآكِلُ (إنَّهُ طَعَامُهُ) ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَقَدْ أَكَلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ.

(وَ) إنْ أَطْعَمَ غَاصِبٌ مَغْصُوبًا (لِمَالِكِهِ أَوْ قِنِّهِ) أَيْ: قِنِّ مَالِكِهِ (أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ أَخَذَهُ) أَيْ: أَخَذَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَاصِبِهِ (بِقَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ) بِأَنْ كَانَ صَابُونًا فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ بِهِ، أَوْ شَمْعًا فَأَمَرَهُ بِوَقْدِهِ وَنَحْوَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ مِلْكَهُ (أَوْ اسْتَرْهَنَهُ) مَالِكُهُ (أَوْ اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ) مِنْ غَاصِبِهِ (أَوْ اُسْتُؤْجِرَ) أَيْ: اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ مَالِكًا (عَلَى قِصَارَتِهِ) أَيْ: الْمَغْصُوبِ (أَوْ خِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهِمَا) كَصِبْغَةٍ (وَلَمْ يَعْلَمْ) مَالِكُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ) ، أَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ وَالْإِبَاحَةِ فَلِأَنَّهُ بِغَصْبِهِ مَنَعَ يَدَ مَالِكِهِ وَسُلْطَانَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْغَاصِبُ. وَأَمَّا فِي الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى اسْتِقْرَارِ بَدَلِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَقَبْضُ الْإِنْسَانِ مَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ عَلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ بَدَلُهُ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِلْمُقْبِضِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إنْسَانٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ لِمُسْتَحِقِّهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ هَذَيْنِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَارِيَّةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ لِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِهِ. قُلْتُ: وَلَعَلَّ الْخِلَافَ إنْ لَمْ يَتْلَفْ فِي يَدِهِ وَإِلَّا بَرِئَ، لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَخْ، وَالْقَرْضُ وَالْمَبِيعُ يَسْتَقِرُّ عَلَى قَابِضِهِ ضَمَانُ عَيْنِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ.

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَرِئَ قَوْلًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي انْتَهَى، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلِأَنَّهُ تَحَمُّلٌ مُنْتَهٍ، وَرُبَمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَا بَعْدَهَا فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ وَهُوَ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ (وَإِنْ أُعِيرَهُ) أَيْ: أَخَذَهُ مَالِكُهُ عَارِيَّةً مِنْ غَاصِبٍ (بَرِئَ) غَاصِبُهُ، لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَإِنْ جَهِلَهُ، فَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا لَرَجَعَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَضْمِينِهِ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ ضَمِنَهُ لَهُ وَلَا يَبْرَأُ غَاصِبٌ مِنْ عُهْدَةِ مَنَافِعِهَا مَعَ جَهْلِ مَالِكِهَا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتَوْفَاهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الطَّعَامِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>