للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس: ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة. ويقال: إنه لما قتله قعد يبكي عند رأسه، إذ أقبل غرابان فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، ثم حفر له حفرة فدفنه، ففعل القاتل بأخيه كذلك، فبقي ذلك سنّة لازمة في بني آدم.

وفي التنزيل: ﴿ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس: ٢١] أي: جعل له قبرا يوارى إكراما له، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله الطير والعوافي. قاله الفرّاء.

وقال أبو عبيدة: أقبره: جعل له قبرا وأمر أن يقبر، قال أبو عبيدة: ولما قتل عمر بن هبيرة صالح بن عبد الرحمن، قالت بنو تميم؛ ودخلوا عليه: أقبرنا صالحا، فقال: دونكموه.

وحكم القبر: أن يكون مسنّما مرفوعا على وجه الأرض قليلا (١)، غير مبنيّ بالطين والحجارة والجص، فإن ذلك منهي عنه.

وروى مسلم عن جابر، قال: «نهى رسول الله أن يجصّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه» (٢)، وخرّجه الترمذي أيضا عن جابر، قال: «نهى رسول الله أن تجصّص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ». قال أبو عيسى:

هذا حديث صحيح (٣).

قال علماؤنا : وكره مالك تجصيص القبور، لأن ذلك من المباهاة، وزينة الحياة الدنيا وتلك منازل الآخرة، وليس بموضع المباهاة، وإنما يزين الميت في قبره علمه.

وأنشدوا:

وإذا وليت أمور قوم ليلة … فاعلم بأنّك بعدها مسؤول

وإذا حملت إلى القبور جنازة … فاعلم بأنّك بعدها محمول

يا صاحب القبر المنقش سطحه … ولعله من تحته مغلول

وفي «صحيح مسلم» عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب : «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ؟ ألاّ تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته» (٤).

وقال أبو داود في «المراسيل»، عن عاصم بن أبي صالح: رأيت قبر النبي


(١) ولا يزيد هذا الارتفاع عن شبر، كما سيأتي.
(٢) أخرجه مسلم (٩٧٠).
(٣) «سنن الترمذي» رقم (١٠٥٢).
(٤) أخرجه مسلم (٩٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>