للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كبير وإنه لكبير». وأخرجه أبو داود الطيالسي عن أبي بكرة قال: «بينما أنا أمشي مع رسول الله ومعي رجل ورسول الله بيننا، إذ أتي على قبرين» فقال رسول الله : «إن صاحبي هذين القبرين ليعذبان الآن في قبورهما فأيكما يأتيني من هذا النخل بعسيب»؟ فاستبقت أنا وصاحبي فسبقته، وكسرت من النخل عسيبا. فأتيت النبي فشقّه نصفين من أعلاه، فوضع على أحدهما نصفا وعلى الآخر نصفا. وقال:

«إنه يهون عليهما ما دام من بلولتهما شيء إنهما يعذبان في الغيبة والبول».

قال المؤلف : هذا الحديث والذي قبله يدل على أن التخفيف إنما هو بمجرد نصف العسيب ما دام رطبا لا زيادة معه. وقد خرّجه مسلم من حديث جابر الطويل، وفيه: «فلما انتهى إليّ قال: «يا جابر هل رأيت مقامي»؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا، فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي، فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» قال جابر:

«فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فاندلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله فأرسلت غصنا عن يميني، وغصنا عن يساري، ثم لحقته فقلت: قد فعلت ذلك يا رسول الله»، فعند ذلك قال:

«إني مررت بقبرين يعذّبان فأحببت بشفاعتي أن يرفّه عنهما، ما دام الغصنان رطبين».

ففي هذا الحديث زيادة على رطوبة الغصن وهي: شفاعته ، والذي يظهر لي أنهما قضيتان مختلفتان، لا قضية واحدة، كما قال من تكلّم على ذلك، ويدل عليهما سياق الحديث، فإن في حديث ابن عباس وأبي بكرة عسيبا واحدا شقّه النبي بيده نصفين، وغرسهما بيده، وحديث جابر بخلافهما ولم يذكر فيه ما يعذّب بسببه.

وقد خرّج أبو داود الطيالسي حديث ابن عباس فقال: حدثنا شعبة، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله أتى على قبرين فقال:

«إنهما ليعذبان في غير كبير، أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس، وأما الآخر فكان صاحب نميمة»، ثم دعا بجريدة فشقّها نصفين، فوضع نصفا على هذا القبر، ونصفا على هذا القبر. وقال: «عسى أن يخفف عنهما ما دامتا رطبتين». ثم قيل: يجوز أن يكونا كافرين، وقوله: «إنهما ليعذبان في غير كبير» يريد بالإضافة إلى الكفر والشرك، أو ما إن كانا مؤمنين، فقد أخبرك أنهما يعذبان بشيء كان منهما ليس بكفر، لكنهما لم يتوبا منه، وإن كانا كافرين فهما يعذّبان في هذين الذنبين زيادة على عذابهما بكفرهما وتكذيبهما وجميع خطاياهما. وإن يكونا كافرين أظهر والله أعلم. فإنهما لو كانا مؤمنين لعلما لقرب العهد بتدافن المسلمين يومئذ. قاله ابن برجان في كتاب «الإرشاد الهادي إلى التوفيق والسداد».

<<  <  ج: ص:  >  >>