للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأمة. حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في «سراج المريدين». وغير الشهيد بخلاف هذا الوصف إنما يملأ عليه قبره خضرا ويفسح له فيه. وقوله: «نسمة المؤمن» أي روح المؤمن الشهيد، يدل عليه قوله في نفس الحديث: «حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم القيامة».

الثالث: فإن قيل: فقد جاء أن الأرواح تتلاقى في السماء، والجنة في السماء، يدل عليه قوله : «إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء» وفي رواية «أبواب الجنة» (١) قلنا: لا يلزم من تلاقي الأرواح في السماء أن يكون تلاقيها في الجنة، بل أرواح المؤمنين - غير الشهداء - تارة تكون في الأرض على أفنية القبور، وتارة في السماء لا في الجنة. وقد قيل: إنها تزور قبورها كل يوم جمعة على الدوام، ولذلك تستحب زيارة القبور ليلة الجمعة، ويوم الجمعة، وبكرة السبت فيما ذكر العلماء - والله أعلم (٢).

قال ابن العربي: وبحديث الجرائد يستدل الناس على أن الأرواح في القبور تعذّب أو تنعّم، وهو أبين في ذلك من حديث ابن عمر في الصحيح: «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ»، لأن عرض مقعده ليس فيه بيان عن موضعه الذي يراه منه، وحديث الجرائد نص على أن أولئك يعذّبون في قبورهم، وكذلك حديث اليهود.

قلت: ويحتمل على ما ذكرناه - والله أعلم -: أن يكون قوله :

«ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا وروحه في قبره إلا عرفه ورد عليه السلام» حتى لا تتناقض الأخبار. والله أعلم.

الرابع: فإن قيل: فقد قال : «والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي، ثم قتل، وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه» (٣)، وهذا يدل على أن بعض الشهداء لا يدخلون الجنة من حين القتل، ولا تكون أرواحهم في جوف طير، ولا تكون في قبورهم فأين تكون؟ قلنا: قد خرّج ابن وهب بإسناده عن ابن عباس عن النبي أنه قال: «الشّهداء على بارق نهر بباب الجنة يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا» (٤). فلعلهم هؤلاء أو من منعه من


(١) أخرجه البخاري (١٨٩٨، ١٨٩٩، ٣٢٧٧)، ومسلم (١٠٧٩).
(٢) لم يرد بهذا دليل، والله أعلم.
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٢٨٩ - ٢٩٠) والنسائي (٧/ ١٤)، وحسّنه الألباني في «صحيح سنن النسائي» (٤٣٦٧).
(٤) أخرجه أحمد (١/ ٢٦٦) وحسّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٣٧٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>