للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخول الجنة حقوق الآدميين إذ الدّين ليس مختصا بالمال على ما يأتي. ولهذا قال علماؤنا: أحوال الشهداء طبقات مختلفة، ومنازل متباينة، يجمعها أنهم يرزقون، وقد تقدم : «من مات مريضا مات شهيدا وغدي وريح عليه برزقه من الجنة» (١). وهذا نص في أن الشهداء مختلفو الحال وسيأتي في باب كم الشهداء، إن شاء الله تعالى.

الخامس: فإن قيل: فقد روى ابن ماجه عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله يقول: «لشهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله ﷿، وإن الله وكّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر؛ فإنه يتولّى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البرّ الذنوب كلها إلا الدّين، ولشهيد البحر الذنوب كلّها والدّين» (٢).

قلنا: الدين إذا أخذه المرء في حق واجب لفاقة أو عسر ومات ولم يترك وفاء، فإن الله تعالى لا يحبسه عن الجنة إن شاء الله شهيدا كان أو غيره، لأن على السلطان فرضا أن يؤدي عنه دينه. قال رسول الله : «من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله ورسوله، ومن ترك مالا فلورثته، فإن لم يؤد عنه السلطان، فإن الله تعالى يقضي عنه ويرضي خصمه» (٣).

والدليل على ذلك ما رواه ابن ماجه في «سننه» عن عبد الله بن عمرو قال:

قال رسول الله : «إن الدين يقضى أو يقبض من صاحبه يوم القيامة إذا مات، إلا من تديّن في ثلاث خلال: الرجل تضعف قوته في سبيل الله فيستدين ليتقوى به لعدو الله وعدوه، ورجل يموت عنده رجل مسلم لا يجد ما يكفنه فيه ويواريه إلا بدين، ورجل خاف على نفسه العزبة فينكح خشية على دينه، فإن الله يقضي عن هؤلاء يوم القيامة» (٤).

وأما من أدان في سفه أو سرف فمات ولم يوفه، أو ترك له وفاء ولم يوص به، أو قدر على الأداء فلم يوفه، فهذا الذي يحبس به صاحبه عن الجنة حتى يقع القصاص بالحسنات والسيئات على ما يأتي، فيحتمل أن يكون قوله في شهيد البحر عامّا في الجميع، وهو الأظهر لأنه لم يفرق بين دين ودين، ويحتمل أن يكون قوله فيمن أدان ولم يفرط في الأداء، وكان عزمه ونيته الأداء، لا إتلاف


(١) تقدّم أنه حديث ضعيف.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٧٧٨)، وقال الألباني في «الضعيفة» (٨١٧): «موضوع بهذا التمام».
(٣) أخرجه أحمد (٢/ ٤٦٤) والنسائي (١/ ٢٣٤)، وحسّنه الألباني في «صحيح سنن النسائي» (١٨٥٣).
(٤) أخرجه ابن ماجه (٢٤٣٥)، وضعفه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>