للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأجل الشهداء، فإن الله تعالى يقول: ﴿أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩].

وضعّف غيره من الأقوال، على ما يأتي. وقال شيخنا أبو العباس: «والصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، والكل محتمل» (١).

قلت: قد ورد حديث أبي هريرة بأنهم الشهداء، وهو الصحيح على ما يأتي.

وأسند النحاس في كتاب «معاني القرآن» له؛ حدّثنا الحسين بن عمر الكوفي، قال:

حدّثنا هناد بن السري، قال: حدّثنا وكيع، عن شعبة عن عمارة بن أبي حفصة، عن حجر الحجوري، عن سعيد بن جبير، في قول الله ﷿: ﴿إِلاّ مَنْ شاءَ اللهُ﴾ [الزمر: ٦٨] قال: «هم الشهداء، هم ثنية الله ﷿، متقلدو السيوف حول العرش». وقال الحسن: استثنى طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين. قال يحيى بن سلام في «تفسيره»: «بلغني أن آخر من يبقى منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، ثم يموت جبريل وميكائيل وإسرافيل، ثم يقول الله ﷿ لملك الموت:

مت فيموت». وقد جاء هذا مرفوعا في حديث أبي هريرة الطويل على ما يأتي.

وقيل: هم حملة العرش وجبريل وميكائيل وملك الموت. وقال الحليمي: «من زعم أن الاستثناء لأجل حملة العرش أو جبريل وميكائيل وملك الموت، أو زعم أنه لأجل الولدان والحور العين في الجنة، أو زعم أنه لأجل موسى فإن النبي قال: أنا أول من تنشقّ عنه الأرض فأرفع رأسي فإذا موسى متعلق بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله ﷿»؛ فإنه لم يصح شيء منها.

أما الأوّل: فإنه حملة العرش ليسوا من سكان السموات ولا الأرض، لأن العرش فوق السموات كلها، فكيف يكون حملته في السموات؟ وأما جبريل وميكائيل وملك الموت فمن الصافّين المسبّحين حول العرش، وإذا كان العرش فوق السموات؛ لم يكن الاصطفاف حوله في السموات وكذلك.

القول الثاني: لأن الولدان والحور في الجنة، والجنات - وإن كان بعضها أرفع من بعض - فإن جميعها فوق السموات ودون العرش، وهي بانفرادها عالم مخلوق للبقاء، فلا شك أنها بمعزل عما خلق الله تعالى للفناء، وصرفه إلى موسى فلا وجه له، لأنه قد مات بالحقيقة فلا يموت عند نفخ الصور ثانية، ولهذا لم يعتد في ذكر اختلاف المتأولين في الاستثناء بقول من قال: إلاّ من شاء الله؛ أي: الذين سبق موتهم قبل نفخ الصور. لأن الاستثناء إنما يكون لمن يمكن دخوله في الجملة، فأما من لا يمكن دخوله في الجملة فيها فلا معنى لاستثنائه منها، والذين


(١) انظر «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (٦/ ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>