للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماتوا قبل نفخ الصور ليسوا بغرض أن يصعقوا، فلا وجه لاستثنائهم، وهذا في موسى موجود، فلا وجه لاستثنائه.

وقال النبي في ذكر موسى ما يعارض الرواية الأولى وهو أن قال: «الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أو جوزي بصعقة الطور» فظاهر هذا الحديث؛ أن هذه صعقة غشي، تكون يوم القيامة لا صعقة الموت الحادثة عن نفخ الصور.

وصرف ذكر يوم القيامة إلى أنه أراد أوائله، قيل: المعنى؛ أن الصور إذا نفخ فيه أخرى كنت أوّل من يرفع رأسه، فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أو جوزي بصعقة الطور، أي: فلا أدري أبعثه قبلي كان وهبا له وتفضيلا من هذا الوجه، كما فضّل في الدنيا بالتكليم، أو كان جزاء له بصعقة الطور؛ أي: قدم بعثه على بعث الأنبياء الآخرين بقدر صعقته عندما تجلّى ربه للجبل إلى أن أفاق، ليكون هذا جزاء له بها.

وما عدا هذا فلا يثبت، قال شيخنا أحمد بن عمر: وظاهر حديث النبي يدل على أن ذلك إنما هو بعد النفخة الثانية، نفخة البعث، ونص القرآن يقتضي أن ذلك الاستثناء إنما هو بعد نفخة الصعق. ولما كان هذا، قال بعض العلماء:

يحتمل أن يكون موسى ، ممن لم يمت من الأنبياء، وهذا باطل بما تقدم من ذكر موته.

وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع بعد النشر (١) حين تنشق السموات والأرض، قال: فتستقل الأحاديث والآيات (٢) والله أعلم.

قال شيخنا أبو العباس: «وهذا يرده ما جاء في الحديث أنه حين يخرج من قبره يلقى موسى وهو متعلق بالعرش، وهذا إنما هو عند نفخة البعث».

قال شيخنا أحمد بن عمر: والذي يزيح هذا الإشكال - إن شاء الله تعالى - أن الموت ليس بعدم محض، وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك؛ أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدنيا، وإذا كان هذا في الشهداء، كان الأنبياء بذلك أحق وأولى، مع أنه قد صح عن النبي : «أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء»، وأن النبي قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء،


(١) في كتاب «الروح» ص ١١٩: «بعد النشور».
(٢) في «الروح»: «الأحاديث والآثار».

<<  <  ج: ص:  >  >>