وخصوصا بموسى، وقد أخبرنا النبي ﷺ بما يقتضي أن الله ﵎ يرد عليه روحه حتى يرد السلام على كل من يسلّم عليه، إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم، وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياء، ولا يراهم أحد من نوعنا إلاّ من خصّه الله بكرامة من أوليائه، وإذا تقرر أنهم أحياء، فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السموات ومن في الأرض، إلاّ من شاء الله، فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء، فالأظهر أنه غشية، فإذا نفخ في الصور نفخة البعث، فمن مات حيي ومن غشي عليه أفاق. ولذلك قال ﷺ في «صحيح مسلم» و «البخاري»: «فأكون أول من يفيق» وهي رواية صحيحة وحسنة، فنبينا ﷺ أول من يخرج من قبره قبل الناس كلهم قبل الأنبياء وغيرهم، إلا موسى فإنه حصل له فيه تردد؛ هل بعث قبله من غشيته، أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقا لأنه حوسب بغشية الطور؟ وهذه فضيلة عظيمة في حق موسى ﵇. ولا يلزم من فضيلة أحد الأمرين المشكوك فيهما فضيلة موسى ﵇ على محمد ﷺ مطلقا، لأن الشيء الجزئي لا يوجب أمرا كليّا - والله أعلم (١).
قال المؤلف: ما اختاره شيخنا هو ما ذكره الحليمي واختاره في قوله، فإن حمل عليه الحديث فذاك. قال الحليمي: «وأما الملائكة الذين ذكرناهم صلوات الله عليهم فإنا لم ننف عنهم الموت، ولا أحلناه، وإنما أبينا أن يكونوا هم المرادين بالاستثناء من الوجه الذي ذكرناه، ثم قد وردت الأخبار بأن الله تعالى يميت حملة العرش وملك الموت وميكائيل ثم يميت آخر من يميت جبريل ويحييه مكانه، ويحيي هؤلاء الملائكة الذين ذكرناهم. وأما أهل الجنة فلم يأت عنهم خبر، والأظهر أنها دار الخلد، فالذي يدخلها لا يموت فيها أبدا مع كونه قابلا للموت، والذي خلق فيها أولى أن لا يموت فيها أبدا. وأيضا فإن الموت لقهر المكلفين ونقلهم من دار إلى دار، وأهل الجنة لم يبلغنا أنّ عليهم تكليفا، فإن أعفوا من الموت كما أعفوا من التكليف لم يكن بعيدا.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وهو يدل على أن الجنة نفسها تفنى ثم تعاد يوم الجزاء، فلم أنكرتم أن يكون الولدان والحور يموتون ثم يحيون؟ قيل: يحتمل أن يكون معنى قوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ﴾ أي: ما من شيء إلا وهو قابل للهلاك، فيهلك إن أراد الله به ذلك، إلا وجهه أي: إلا هو سبحانه، فإنه تعالى