للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذعورين عجلين، ينظرون ما يراد بهم لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ وقد أخبر الله ﷿ عن الكفار أنهم يقولون: ﴿يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا﴾ [يس: ٥٢]؟ فيقول لهم الملائكة أو المؤمنون - على اختلاف المفسرين -: ﴿هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢] وقيل: إن الكفار هم القائلون: ﴿هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ﴾ وذلك أنهم لما بعثوا قال بعضهم لبعض: ﴿يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا﴾ صدّقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به، ثم قالوا: ﴿هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ فكذبنا به، أقرّوا حين لم ينفعهم الإقرار، ثم يؤمر بحشر الجميع إلى الموقف للحساب.

وقال عكرمة: إن الذين يغرقون في البحر تقتسم لحومهم الحيتان، فلا يبقى منهم شيء إلا العظام، فتلقيها الأمواج إلى الساحل، فتمكث حينا، ثم تصير حائلة نخرة، ثم تمر بها الإبل فتأكلها، ثم تسير الإبل فتبعر، ثم يجيء فينزلون، فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه، ثم تخمد تلك النار فيجيء الريح فتلقي ذلك الرماد على الأرض، فإذا جاءت النفخة ﴿فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ يخرج أولئك وأهل القبور سواء ﴿إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً﴾ [يس: ٥٣] أي نفخة واحدة ﴿فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٥٣].

قال علماؤنا : فالنفخ في الصور؛ إنما هو سبب لخروج أهل القبور وغيرهم، فيعيد الله الرفات من أبدان الأموات، ويجمع ما تفرق منها في البحار وبطون السباع وغيرها، حتى تصير كهيئاتها الأولى، ثم يجعل فيها الأرواح فتقوم الناس كلهم أحياء حتى السقط، فإن النبي قال: «إن السقط ليظل محبنطئا على باب الجنة، ويقال له: ادخل الجنة فيقول: لا حتى يدخل أبواي» (١). وهذا السقط هو الذي تمّ خلقه، ونفخ فيه الروح، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: ٨]، فدل على أن الموءودة تحشر وتسأل، ومن قبرها تخرج وتبعث. وأما من لم ينفخ فيه الروح فهو وسائر الأموات سواء، قاله الحاكم أبو الحسين بن الحسن الحليمي في كتاب «منهاج الدين» له.

وبالحقيقة إنما خروج الخلق بدعوة الحق، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٥٢] فتقومون فتقولون: سبحانك اللهم وبحمدك.

قالوا: فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد، ويختم به. قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾


(١) أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (٢/ ١١١) والعقيلي في «الضعفاء» (٣/ ٢٥٣). وقال ابن حبان: «هذا حديث منكر لا أصل له».

<<  <  ج: ص:  >  >>