للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصور، فإذا نفخ فيه النفخة الثانية ذهب كل روح إلى جسده ﴿فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ﴾ [يس: ٥١] أي القبور - ﴿إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] وهذا يبيّن ما ذكرنا وبالله توفيقنا.

وقال محمد بن كعب القرظي: يحشر الناس يوم القيامة في ظلمة، وتطوى السماء وتتناثر النجوم، وتذهب الشمس والقمر، وينادي مناد؛ فيتبع الناس الصوت يومئذ، فذلك قول الله ﷿: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ﴾ [طه: ١٠٨] الآية. وقال الله ﷿: ﴿إِذَا السَّماءُ اِنْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَواكِبُ اِنْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار: ١ - ٣] فجّر عذبها في ملحها، وملحها في عذبها، في تفسير قتادة ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ [الانفطار: ٤] أي: أخرج ما فيها من الأموات، وقال تعالى:

﴿إِذَا السَّماءُ اِنْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّها﴾ [الانشقاق: ١، ٢] أي: سمعت وأطاعت ﴿وَحُقَّتْ﴾ [الانشقاق: ٢] أي: وحق لها أن تفعل ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ [الانشقاق: ٣] تمد مدّ الأديم، وهذا إذا بدّلت بأرض بيضاء كأنها فضة لم تعمل عليها خطيئة قط، ﴿وَأَلْقَتْ ما فِيها﴾ [الانشقاق: ٤] من الأموات؛ فصاروا على ظهرها.

(مسلم) عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النّقيّ، ليس فيها علم لأحد» (١).

وخرّج أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، عن عبد الله بن مسعود: «يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا؛ فمن أطعم لله أطعمه، ومن سقا لله سقاه، ومن كسا لله كساه، ومن عمل لله كفاه، ومن نصر الله أراحه الله في ذلك اليوم».

وروي من حديث معاذ بن جبل قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت قول الله:

﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً﴾ [النبأ: ١٨]. فقال النبي : «يا معاذ بن جبل! لقد سألت عن أمر عظيم» ثم أرسل عينيه بالبكاء والدموع ثم قال: «تحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا قد ميّزهم الله تعالى من جماعات المسلمين، وبدّل صورهم، فمنهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسين أرجلهم أعلاهم، ووجوههم يسبحون عليها، وبعضهم عمي يتردّون، وبعضهم صمّ بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم مدلاة على صدورهم، يسيل القيح من أفواههم لعابا تقذّرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع النار، وبعضهم أشد نتنا من الجيف، وبعضهم يلبسون جلابيب سابغة من القطران، فأما الذين


(١) أخرجه البخاري (٦٥٢١) ومسلم (٢٧٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>