على صورة القردة فالقتّات من الناس - يعني النمام - وأما الذين على صورة الخنازير؛ فأهل السحت والحرام والمكس، وأما المنكّسون رؤوسهم ووجوههم؛ فأكلة الربا، والعمي؛ من يجور في الحكم، والصم البكم؛ الذين يعجبون بأعمالهم، والذين يمضغون ألسنتهم؛ فالعلماء والقضاة الذين يخالف قولهم فعلهم، والمقطّعة أيديهم وأرجلهم؛ الذين يؤذون الجيران، والمصلّبون على جذوع النار؛ السعاة بالناس إلى السلطان، والذين هم أشدّ نتنا من الجيف؛ الذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله تعالى من أموالهم، والذين يلبسون الجلابيب؛ فأهل الكبر والفخر والخيلاء».
وقال أبو حامد في كتاب «كشف علوم الآخرة»: ومن الناس من يحشر بفتنته الدنيوية، فقوم مفتونون بالعود معتكفون عليه دهرهم، فعند قيام أحدهم من قبره يأخذه بيمينه فيطرحه من يده، ويقول: سحقا لك شغلتني عن ذكر الله، فيعود إليه ويقول: أنا صاحبك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. وكذلك يبعث السكران سكرانا، والزامر زامرا، وكل واحد على الحال الذي صدّه عن سبيل الله.
قال: ومثله الحديث الذي روي في الصحيح: «أن شارب الخمر يحشر والكوز معلّق في عنقه والقدح بيده وهو أنتن من كل جيفة على الأرض يلعنه كل من يمر به من الخلق». وقال أيضا في هذا الكتاب: فإذا استوى كل أحد قاعدا على قبره؛ فمنهم العريان، ومنهم المكسو، والأسود والأبيض ومنهم من يكون له نور كالمصباح الضعيف، ومنهم من يكون كالشمس لا تزال كل واحد منهم مطرقا برأسه ألف عام، حتى تقوم من الغرب نار لها دويّ تساق، فيدهش لها رؤوس الخليقة إنسا وجنّا وطيرا ووحشا، فيأتي كل واحد من المخاطبين عمله ويقول له: قم فانهض إلى المحشر، فمن كان له حينئذ عمل جيّد شخص له عمله بغلا، ومنهم من يشخص عمله حمارا، ومنهم من يشخص له كبشا، تارة يحمله وتارة يلقيه، ويجعل لكل واحد منهم نور شعاعي بين يديه وعن يمينه، ومثله يسري بين يديه في الظلمات، وهو قوله تعالى: ﴿يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ﴾ [الحديد: ١٢] وليس عن شمائلهم نور، بل ظلمة حالكة لا يستطيع البصر نفاذها، يحار فيها الكفار، ويتردد المرتابون، والمؤمن ينظر إلى قوة حلكتها وشدة حندسها ويحمد الله تعالى على ما أعطاه من النور المهتدي به في تلك الشدة يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، لأن الله تعالى يكشف للعبد المؤمن المنعم عن أحوال المعذب الشقي ليستبين له سبيل الفائدة، كما فعل بأهل الجنة وأهل النار، حيث يقول: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥] وكما قال سبحانه: ﴿* وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧]. لأن أربعا لا يعرف قدرها إلا أربع: لا يعرف قدر