وكتب عليهم الخلود بالمثل الذي يضرب لهم؛ وهو:«أن يؤتى بكبش أملح ويسمى الموت، ثم يذبح على الصراط بين الجنة والنار، وينادوا: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت»(١). سلبوا في ذلك الوقت أسماعهم؛ وقد يجوز أن يسلبوا الأبصار والكلام، لكن سلب السمع يقين؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٠] فإذا سلبوا الأسماع صاروا إلى الزفير والشهيق، ويحتمل أن تكون الحكمة في سلب الأسماع من قبل أنهم سمعوا نداء الربّ سبحانه على ألسنة رسله، فلم يجيبوه بل جحدوه، وكذّبوا به بعد قيام الحجة عليهم بصحته، فلما كانت حجة الله عليهم في الدنيا الاستماع؛ عاقبهم على كفرهم في الأخرى بسلب الأسماع، يبين ذلك أنهم كانوا يقولون للنبي ﷺ: ﴿وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ [فصلت: ٥٠] وقالوا: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَاِلْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦]. وإن قوم نوح ﵇ كانوا يستغشون ثيابهم تسترا منه لئلاّ يروه ولا يسمعوا كلامه، وقد أخبر الله تعالى عن الكفار في وقت نبينا محمد ﷺ مثله فقال: ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ [هود: ٥] وإن سلبت أبصارهم فلأنهم أبصروا الغير فلم يعتبروا، والنطق فلأنهم أوتوه فكفروا، فهذا وجه الجمع بين الآيات على ما قاله علماؤنا، والله تعالى أعلم.
***
(١) أخرجه البخاري (٦٥٤٤، ٦٥٤٨) ومسلم (٢٨٥٠) من حديث عبد الله بن عمر ﵁. وأخرجه البخاري (٤٧٣٠) ومسلم (٢٨٤٩) من حديث أبي سعيد الخدري.