أفزاعها وأهوالها، وخروج الخلق من قبورهم إلى سجونهم أو قصورهم بعد نشر صحفهم، وقراءة كتبهم، وأخذها بأيمانهم وشمائلهم، أو من وراء ظهورهم في موقفهم، على ما يأتي بيانه - قال الله تعالى: ﴿إِذَا السَّماءُ اِنْشَقَّتْ﴾ [الانشقاق: ١] وقال:
﴿إِذَا السَّماءُ اِنْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: ١] وقال: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ﴾ [الفرقان: ٢٥] فتراها واهية منفطرة متشقّقة، كقوله تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً﴾ [النبأ: ١٩] ويكون الغمام سترة بين السماء والأرض، وقيل: إن الباء بمعنى (عن) أي: تشقّق عن سحاب أبيض، ويقال: انشقاقها لما يخلص إليها من حر جهنم، وذلك إذا بطلت المياه، وبرزت النيران، فأول ذلك أنها تصير حمراء صافية كالدهن، وتتشقق لما يريد الله من نقض هذا العالم ورفعه. وقد قيل: إن السماء تتلون فتصفر ثم تحمر، أو تحمر ثم تصفر، كالمهرة تميل في الربيع إلى الصفرة، فإذا اشتدّ الحر مالت إلى الحمرة، ثم إلى الغبرة. قاله الحليمي.
وقوله تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير: ١] قال ابن عباس ﵁:
تكويرها؛ إدخالها في العرش. وقيل: ذهاب ضوئها، قاله الحسن وقتادة. وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد، وقال أبو عبيدة: كوّرت مثل تكوير العمامة، تلف فتمحى. وقال الربيع بن خيثم: كورت؛ رمي بها، ومنه: كوّرته فتكوّر، أي: سقط.
قلت وأصل التكوير الجمع، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها، أي: لاثها وجمعها، فهي تكور ثم يمحى ضوؤها، ثم يرمى بها [في البحر]، والله أعلم (١).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ اِنْكَدَرَتْ﴾ [التكوير: ٢] أي: انتثرت، قيل: تتناثر من أيدي الملائكة لأنهم يموتون. وفي الخبر: أنها معلقة بين السماء والأرض بسلاسل بأيدي الملائكة. وقال ابن عباس ﵁: انكدرت تغيرت. وأصل الانكدار الانصباب، فتسقط في البحار فتصير معها نيرانا إذا ذهبت المياه.
وقوله: ﴿وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ﴾ [التكوير: ٣] هو مثل قوله: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ﴾ [الكهف: ٤٧] أي: تحول عن منزلة الحجارة، فتكون كثيبا مهيلا، أي: رملا سائلا، وتكون كالعهن، وتكون هباء منبثّا، وتكون سرابا مثل السراب الذي ليس بشيء، وقيل: إن الجبال بعد اندكاكها تصير كالعهن من حرّ جهنم، كما تصير السماء من حرها كالمهل. قال الحليمي: وهذا - والله أعلم - لأن مياه الأرض كانت حاجزة بين السماء والأرض، فإذا ارتفعت وزيد مع ذلك في إحماء جهنم أثّر في كل واحد من السماء والأرض ما ذكر.