قوله: ﴿وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ﴾ [التكوير: ٤] أي: عطلها أهلها، فلم تحلب، من الشغل بأنفسهم، والعشار: الإبل الحوامل، واحدها عشراء، وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعد ما تضع، وإنما خصّ العشار بالذكر لأنها أعز ما يكون على العرب، فأخبر أنها تعطل يوم القيامة، ومعناه: أنهم إذا قاموا من قبورهم، وشاهد بعضهم بعضا، ورأوا الوحوش والدواب محشورة وفيها عشارهم التي كانت أنفس أموالهم، لم يعبئوا بها، ولم يهمهم أمرها. ويحتمل تعطل العشار؛ إبطال الله تعالى أملاك الناس عما كان ملكهم إياها في الدنيا، وأهل العشار يرونها فلا يجدون إليها سبيلا، وقيل: العشار السحاب يعطّل مما يكون فيه وهو الماء فلا يمطر، وقيل: العشار الديار تعطل فلا تسكن وقيل: الأرض التي يعشر زرعها تعطل فلا تزرع. والقول الأول أشهر وعليه من الناس الأكثر.
وقوله: ﴿وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦]، أي: أوقدت وصارت نارا؛ رواه الضحاك عن ابن عباس ﵁. وقال قتادة: غار ماؤها فذهب. وقال الحسن والضحاك: فاضت. قال ابن أبي زمنين: سجّرت؛ حقيقته ملئت، فيفيض بعضها إلى بعض، فتصير شيئا واحدا. وهو معنى قول الحسن. ويقال: إن الشمس تلف ثم تلقى في البحار، فمنها تحمى وتنقلب نارا. قال الحليمي: ويحتمل إن كان هذا هكذا أن البحار في قول من فسّر التسجير بالامتلاء، هو أن النار حينئذ تكون أكثرها، لأن الشمس أعظم من الأرض مرات كثيرة، فإذا كوّرت وألقيت في البحر فصارت نارا ازدادت امتلاء.
وقوله: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧] تفسير الحسن: أن تلحق كل شيعة شيعتها؛ اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى، والمجوس بالمجوس، وكل من كان يعبد من دون الله شيئا يلحق بعضهم ببعض، والمنافقون بالمنافقين، والمؤمنون بالمؤمنين. وقال عكرمة: المعنى تقرن بأجسادها، أي: ترد إليها، وقيل: يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان. وقيل: يقرن المؤمنون بالحور العين، والكافرون بالشياطين.
وقوله: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: ٨] يعني بنات الجاهلية؛ كانوا يدفنونهن أحياء لخصلتين؛ إحداهما: كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به، الثانية: مخافة الحاجة والإملاق، وسؤال الموءودة على وجه التوبيخ