للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيخلص الله تعالى الأجسام من التراب، والكافرين من المؤمنين، والمنافقين، ثم يخلص المؤمنين من المنافقين، كما في الحديث الصحيح: «إن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد» (١). خرجه مسلم من حديث أبي هريرة .

ومنها ما روي: «أنه يخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حبّ السمسم» (٢). وهو صحيح أيضا، وسيأتي. وقال : «يؤخذ برجال ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (٣).

ومنها: يوم الفزع؛ وحقيقته: ضعف النفس عن حمل المعاني الطارئة عليها خلاف العادة، فإن استمر كان جبنا، وعند ذلك تتشوّق النفس إلى ما يقوّيها، فلأجل ذلك قالوا: فزعت من كذا؛ أي: ضعفت عن حمله عند جريانه على خلاف العادة، وفزعت إلى كذا؛ أي: تشوّقت نفسي عند ذلك إلى ما يقويها على ما نزل بها. والآخرة كلها خلاف العادة، وهي فزع كلها. وفي التنزيل: ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣]. وقد اختلف فيه، فقيل: هو قوله: ﴿لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان: ٢٢] وقيل: إذا طبقت النار على أهلها وذبح الموت بين الجنة والنار.

وقال الحسن: هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار. وعنه أن الفزع الأكبر؛ النفخة الآخرة، وتتلقاهم الملائكة بالبشارة حتى يخرجوا من قبورهم.

ومنها: يوم التناد؛ بتخفيف الدال، من النداء. وتشديدها من ندّ إذا ذهب، وهو قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر: ٣٣] وهو الذهاب في غير قصد، وروي أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السموات والأرض» الحديث، وقد تقدم. وهي التي يقول الله: ﴿وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ﴾ [ص: ١٥] فيسير الله الجبال ويرج الأرض بأهلها رجا، وهي التي يقول الله: ﴿تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ * أَبْصارُها خاشِعَةٌ﴾ [النازعات: ٦ - ٩] فيميد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، ويتولى الناس مدبرين، ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ التَّنادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر: ٣٢، ٣٣].

قال ابن العربي: «وقد رويت في ذلك آثار كثيرة هذا أمثلها فدعوها، فالمعنى


(١) أخرجه البخاري (٣٣٤٠) ومسلم (١٩٤).
(٢) جزء من أثر ابن عباس؛ أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٦/ ٦١) ونعيم بن حماد في زوائد «الزهد» (٣٥٤)، وفيه شهر بن حوشب. وقد تقدم تخريج الأثر والكلام عليه في باب رقم (٧٦).
(٣) تقدّم تخريجه والكلام على معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>