للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: يوم الواقعة؛ وأصل وقع في كلام العرب: كان ووجد، وجاءت الشريعة في تأكيد ذلك بثبوت ما وجد، قال الله تعالى: ﴿وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] والمراد بالقول هنا: إخبار الباري عن الساعة، وأنها قريبة، ومن أعظم علاماتها الدابة، وسيأتي ذكرها، وما للعلماء فيها من الأشراط - إن شاء الله تعالى - وقوله: كاذبة (١)؛ مصدر كالباقية والعاقبة، أي: ليس لوقعتها مقالة كاذبة.

ومنها: الخافضة الرافعة؛ أي: ترفع قوما في الجنة، وتخفض أخرى في النار، والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة والعزة والإهانة، ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما، مما لم يمكن منه الفعل، يقولون: ليل قائم ونهار صائم، وفي التنزيل: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ [سبأ: ٣٣] والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله تعالى وحده، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات، وجعل أعداءه في أسفل الدركات، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ [مريم: ٨٥، ٨٦]. وقال في حديث جابر : «نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس» (٢). قال ابن العربي: «وهذا حديث فيه تخليط في كتاب مسلم لم يتقنه راويه.

ومعناه: أن جميع الخلق على بسيط من الأرض سواء إلا محمدا وأمته، فإنهم يرفعون جميعهم على شبه من الكوم ويخفض الناس عنهم»، وفي رواية: «أكون أنا وأمتي يوم القيامة على تل فيكسوني ربي حلّة خضراء، ثم يؤذن لي، فذلك المقام المحمود» (٣).

قلت: وهذا الرفع في المكان بحسب الزيادة في المكانة.

قال ابن العربي: وهي أنواع؛ فرفع محمدا بالشفاعة في أول الخلق، وبأنه أول من يدخل الجنة، ويقرع بابها، ورفع العادلين بالحديث الصحيح:

«المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين» (٤). ورفع القراء إلى حيث انتهت قراءتهم؛ يقال: «اقرأ ورتل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (٥) وسيأتي ورفع الشهداء، فقال في الحديث الصحيح:


(١) في قوله تعالى: ﴿إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ﴾ [سورة الواقعة: ١، ٢].
(٢) أخرجه مسلم (١٩١)، وانظر تعليق الإمام النووي على لفظ الحديث (٣/ ٤٧ - ٤٨).
(٣) أخرجه أحمد (٣/ ٤٥٦) بإسناد صحيح.
(٤) أخرجه مسلم (١٨٢٧).
(٥) أخرجه أحمد (٢/ ١٩٢) وأبو داود (١٤٦٤) والترمذي (٢٩١٤)، وهو حديث صحيح؛ صحّحه الشيخ الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>