بمثل عمل سبعين نبيّا، لأتت عليك تارات ولا يهمّك إلا نفسك، وإن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ منتخب إلا وقع جاثيا على ركبتيه، حتى إن إبراهيم الخليل ليدلي بالخلة فيقول: رب أنا خليلك إبراهيم، لا أسألك اليوم إلا نفسي. قال يا كعب: أين نجد ذلك في كتاب الله تعالى؟ قال قوله تعالى: ﴿* يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ (١)[النحل: ١١١].
وقال ابن عباس ﵁ في هذه الآية: ما تزال الخصومة بالناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح: رب الروح منك أنت خلقته، لم يكن لي يد أبطش بها، ولا رجل أمشي بها، ولا عين أبصر بها، ولا أذن أسمع بها، ولا عقل أعقل به، حتى جئت فدخلت في هذا الجسد، فضعف عليه أنواع العذاب، ونجني. فيقول الجسد: ربّ أنت خلقتني بيدك، فكنت كالخشبة ليس لي يد أبطش بها، ولا قدم أسعى بها، ولا بصر أبصر به، ولا سمع أسمع به، فجاء هذا كشعاع الشمس، فبه نطق لساني، وبه أبصرت عيني، وبه مشت رجلي، وبه سمعت أذني، فضعف عليه أنواع العذاب، ونجني. قال: فيضرب الله لهما مثلا؛ أعمى ومقعد أدخلا بستانا فيه ثمار، فالأعمى لا يبصر الثمر، والمقعد لا ينالها فنادى المقعد للأعمى ائتني فاحملني آكل وأطعمك، فدنا منه فحمله فأصابا من الثمر فعلى من يكون العذاب؟ قالا: عليهما، قال: عليكم جميعا العذاب».
قال المؤلف ﵁ وأرضاه: ومن هذا الباب قول الأمم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ إلى غير ذلك مما في معناه حسب ما يأتي.
ومنها: يوم القصاص؛ وفيه أحاديث، كثيرة، يأتي ذكرها في بابها، إن شاء الله تعالى.
ومنها: يوم الحاقة؛ وسميت بذلك لأن الأمور تحق فيها؛ قاله الطبري. كأنه جعلها من باب: ليلي نائم، كما تقدم.
وقيل: سميت حاقة لأنها كانت من غير شك، وقيل: سميت بذلك لأنها أحقّت لأقوام الجنة، وأحقّت لأقوام النار.
ومنها: يوم الطامة؛ معناها: الغالبة، من قولك طمّ الشيء؛ إذا علا وغلب، ولما كانت تغلب كل شيء؛ كان لها هذا الاسم حقيقة دون كل شيء، قال الحسن: الطامة النفخة الثانية، وقيل: حين يساق أهل النار إلى النار.
(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٢٢٥) وأحمد في «الزهد» (٦٣٩) وأبو نعيم في «الحلية» (٣٦٨/ ٥ - ٣٦٩).