للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفله ولا يتساهل فيه ولا في تركه، ومن لا يحسن أن يصلي الفرض فأحرى أن لا يحسن النفل لا جرم، بل تنفل الناس في أشد ما يكون من النقصان والخلل في التمام لخفة النفل عندهم وتهاونهم به، ولعمر الله لقد يشاهد في الوجود من يشار إليه ويظن به العلم بنفله، كذلك بل فرضه إذا ينقره نقر الديك، فكيف بالجهال الذين لا يعلمون؟! وإذا كان هذا فكيف يكمل بهذا النفل ما نقص من الفرض هيهات هيهات!

فاعلموا أن الصلاة إذا كانت بهذه الصفة دخل صاحبها في معنى قوله تعالى:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاِتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩].

وقال جماعة من العلماء: التضييع للصلاة هو أن لا يقيم حدودها من مراعاة وقت وطهارة وتمام ركوع وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها، ولا يمتنع من القيام بها في وقتها وغير وقتها. قالوا: فأما من تركها أصلا ولم يصلها فهو كافر.

وروى الترمذي عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله : «لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود» (١). وقال: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ومن بعدهم يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود.

قال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لم يقم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة لحديث النبي : «لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود».

وروى البخاري عن زيد بن وهب عن حذيفة؛ ورأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته قال له حذيفة: «ما صليت، ولو متّ وأنت تصلي هذه الصلاة لمتّ على غير سنة محمد » (٢).

وأخرجه النسائي أيضا عنه عن حذيفة أنه رأى رجلا يصلي فخفف فقال له حذيفة: «منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال منذ أربعين عاما. قال: ما صليت، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة لمتّ على غير فطرة النبي ، ثم قال: إن الرجل ليخفف الصلاة ويتم ويحسن». والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا قد أتينا عليها في غير هذا الباب، وهي تبين لك المراد من قوله تعالى: ﴿أَضاعُوا الصَّلاةَ﴾ [الحج: ٥٩].


(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٢٢) وأبو داود (٨٥٥) والنسائي (٢/ ١٨٣) والترمذي (٢٦٥) وابن ماجه (٨٧٠). وهو صحيح.
(٢) أخرجه البخاري (٧٩١) والنسائي (٣/ ٥٨) وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>